قال رحمه الله:[وإن حاضت المرأة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة].
هذا إذا كانت المرأة متمتعة، والمرأة الحائض في الإحرام قبل الحج على صور: الصورة الأولى: أن يأتيها الحيض قبل نية النسك، فحينئذٍ إذا كان هناك وقت قبل الحج ويمكنها أن تتمتع بالعمرة؛ فالأفضل أن تصيب فضيلة التمتع، فتحرم بالعمرة، ثم تتحلل من العمرة، ثم بعد ذلك تتم مناسك الحج، مثال ذلك: لو أن امرأة أقبلت على الميقات في شهر ذي القعدة، وجاءها الحيض، وحيضها ثمانية أيام، فقد بقي من الوقت ما يسعها أن تطهر ثم تؤدي العمرة قبل أن تتلبس بالحج أي: قبل أيام الحج، فحينئذٍ تحرم بالعمرة، ويجوز لها وهي حائض أن تنوي العمرة، ولكن تمتنع من الطواف بالبيت، لقوله عليه الصلاة والسلام لأم المؤمنين عائشة حيث كانت معه في حجه وأصابها الحيض فقال:(ما لكِ أنفستِ؟ قالت: نعم.
قال: ذاك شيء كتبه الله على بنات آدم، اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) فهذا يدل على أنه لا يجوز لها أن تطوف بالبيت، ولا يجزئها أن تطوف وهي حائض على ظاهر النص، فتمكث حتى تخرج من عادتها وتطهر، فتغتسل ثم تؤدي عمرتها وتتحلل منها، هذه الصورة الأولى.
الصورة الثانية: أن يطرأ الحيض بعد نيتها للنسك، فإذا طرأ الحيض بعد نيتها للنسك فلا يخلو من حالتين: إما أن يمكنها أن تؤدي العمرة قبل أيام الحج، وإما أن يضيق الوقت ولا يمكنها أن تؤدي عمرتها قبل أيام الحج، كأن تكون عادتها ثمانية أيام، وبقي على الحج ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فإذا طرأ عليها الدم وكانت قد دخلت في النسك فلا تخلو نيتها.
إما أن تكون مفردة فحينئذٍ تمضي إلى عرفات، وتتم مناسك الحج، حتى إذا طهرت طافت طواف الإفاضة ولا إشكال.
وأما إذا كانت متمتعة -أي: كانت معتمرة- فإنه لا يمكنها أن تؤدي عمرتها قبل حجها؛ لأنه وقت ضيق، فتنقلب قارنة لمكان الضرورة، لقول عليه الصلاة والسلام:(اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)، فدل على أنها كانت متمتعة بمنعه إياها من الطواف بالبيت، وقد ثبت أنها كانت متمتعة، فحينئذٍ انقلبت إلى القران لقوله عليه الصلاة والسلام لها في آخر الحج:(طوافكِ بالبيت وسعيكِ بين الصفا والمروة كافيكِ لحجكِ وعمرتكِ) فدل هذا على أن الذي وقع منها إنما هو القران؛ لأنه لم يمكنها أن تتحلل، فلما منعها من الطواف دل على أنه يجوز لها أن تنقلب قارنة، وحينئذٍ تؤخر طوافها بالبيت إلى طهرها، وهذا هو قول جمهور العلماء رحمة الله عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وهكذا الحال إذا كان طرأ العذر، فإذا أحرمت بالتمتع فطرأ الحيض فإنها تحرم وينقلب نسكها القران، على ظاهر هذه السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.