وبناءً على ذلك فالأصناف الستة يشترط فيها التماثل والتقابض، وهذا كله إذا وقع التبايع بالصنف بمثله، كذهب بذهب، وفضة بفضة، وبر ببر، وتمر بتمر، وشعير بشعير، وملح بملح، لكن لو وقع التعامل مع الاختلاف، فإن الحكم يختلف، فإذا حصل الاختلاف اليسير اختلف الحكم يسيراً، وإذا وقع الاختلاف الكلي اختلف الحكم كلياً، وحكم بجواز التفاضل وجواز النسأ والتأخير.
وتوضيح ذلك: أن الأصناف الستة إذا بعتها مختلفة، فإما أن تبيعها مع اتحاد الجنس واختلاف النوع، وإما مع اختلاف الجنسين، فنقسم الستة إلى أثمانٍ ومطعومات، فالأثمان الذهب والفضة، والمطعومات الأربعة الباقية، فالذهب والفضة إذا بيعا مختلفين فإن جنسهما واحد، أي: جنس أثمان، فإذا بعت مع اتحاد الجنس واختلاف الصنف فيشترط التقابض فقط، فيجوز أن تبيع الكيلو من الذهب بالكيلوين من الفضة، لكن بشرط أن يكون يداً بيد، ولا يجوز أن يؤخر أحد المتعاقدين، فإذا اتفق جنس الثمن واختلف الصنف، كذهب بفضة، قلنا: يجوز التفاضل ولا يشترط التماثل، ويجب التقابض، فلا يفترقان عن مجلس العقد إلا وقد أعطى كل منهما للآخر ما له عليه.
مثال ذلك: لو جئت تشتري بالريالات الموجودة -ورصيدها فضة- ذهباً، وقال لك: الجرام بأربعين ريالاً، فاشتريت عشرة جرامات بأربعمائة ريال، أو مائة جرام بأربعة آلاف ريال، فيجب عليك أن تعطيه الثمن ويعطي لك الجرامات يداً بيد، فلا تفترقا عن مجلس العقد إلا وقد قبض كل منكما سلعة الآخر، أو ما عند الآخر.
فلو أن أحدكما أخر وافترقتما، فقد وقع ربا النسيئة من وجه واحد، وعند الانسحاب من الوجهين يجري الربا من وجهين، وعند اتحادهما من وجه واحد يجري الربا من وجه واحد، فيجري النسأ فقط ويجوز التفاضل.
أما لو اختلف الجنسان؛ كذهب بواحد من الأصناف الأربعة المطعومة، أو فضة بواحد من الأصناف الأربعة المطعومة، فيجوز التفاضل ويجوز النسأ، فيجوز أن تبيع الكيلو من الذهب بألف كيلو من التمر؛ لأنه لا يشترط التماثل، كذلك أيضاً يجوز أن تعطيه النقد الآن وتستلم منه التمر بعد يوم، أو بعد شهر، أو بعد سنة، ولا بأس بذلك؛ لأنه لا يوجد الربا لا من جهة التفاضل ولا من جهة التقابض.
وعليه قال العلماء: إن الأصناف الستة يجري فيها الربا من وجهين بشرط اتحاد الجنس والصنف، كذهب بذهب، وفضة بفضة، وبقية الأصناف الأربعة على ذلك، ويجري الربا من وجه واحد وهو ربا النسيئة، إن باع مع اختلاف الصنف واتحاد الجنس، كأن يتحد جنسهما كالأثمان، فيبادل الذهب بالفضة، فيجوز التفاضل بأن يبيعه الكيلو بالكيلوين، ولا يجوز النسأ وهو التأخير.
وكذلك لو باع البر بالتمر، فيجوز الصاع بالصاعين وبالثلاثة، ولكن يجب أن يكون يداً بيد، أما لو اختلف الجنسان كذهب ببر، أو تمر أو شعير أو ملح أو فضة بتمر أو شعير أو ملح، فإنه يجوز التفاضل ويجوز النسأ، ولا ربا في هذا النوع من البيع.