هل يجوز للمرأة أن تقص شعرها؟ وهل ورد ذلك عن عائشة رضي الله عنها؟
الجواب
قص الشعر له صور: الصورة الأولى -وهي ممنوعة محرمة-: أن يكون قصاً متفاحشاً؛ لأن هذا تشبه بالرجال، وهذا فعل المسترجلات، فتقص شعرها قريباً من شعر الرجل، حتى تبدو كأنها رجل، وهذا فعل المسترجلات من المتبرجات ونحوهن-أعاذنا الله وإياكم من أدران الأخلاق وسيئها-، ومثل هذا فيه اللعنة؛ لأن المرأة تفعله بقصد الاسترجال، والمرأة إذا استرجلت فهي ملعونة.
الصورة الثانية: قص المشابهة المحرم، وهو أن تقص على نمط أو طريقة وافدة من أعداء الله عز وجل، وهذا أيضاً فيه الوعيد، وفيه تشبه لمن سمى الله عز وجل، ولا يجوز للمسلمة أن تفعله.
الصورة الثالثة: القص النسبي، وهو التخفيف من الشعر، خاصة عند حدوث الأذية منه عند غسله ونحو ذلك، فتخفف منه، أو القص المسنون شرعاً كما في النسك؛ فلا بأس به ولا حرج، ولكن ما ذكرناه من القص الممنوع فإنه محظور.
وعلى كل حال فعلى المرأة أن تحمد الله عز وجل على العافية، وأن تحمد الله عز وجل على نعمته وخلقته، فالعبد المؤمن والأمة المؤمنة عليهم الرضا بخلقة الله عز وجل وتصويره، ومن رضي عن الله أرضاه، ومن أرضاه ربه بارك له، فأوصي المرأة أن تحمد الله عز وجل وتشكره، فكم من امرأة تساقط شعرها حتى تمنت أن تجد شعراً ولم تجده، ولكن إذا حصل ضيق، وتضررت منه، فتقص منه في حدود معقولة، ولا بأس بذلك ولا حرج، وأما أن تقص كما شاءت، وتفعل ما شاءت فلا.
وأما ما ورد عن أمهات المؤمنين فمحل نقاش كبير عند العلماء رحمهم الله تعالى، وفيه إشكالات في قصهن كالوفرة، وهل هذا فعلنه رضي الله عنهن وأرضاهن من باب التقشف والبعد عن الزينة؛ لأنهن من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرغبن في الزواج ففعلن ذلك؟ فهذا وجه، وقد جاء في حديثٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الله قال لهن:(الزمن الحُفُر)، وفيه إشكال عند العلماء معروف، ولكن الأصل في الشرع عدم تغيير الخلقة، والله تعالى خلق للمرأة هذا الشعر، وأحل لها الأخذ منه في النسك، وما عدا ذلك فإذا قصته خرجت به عن سنن فطرتها، وقد جعل الله عز وجل فيها الشعر جمالاً وشيئاً تتزين به، والأصل يقتضي عدم التصرف في هذه الأشياء، خاصة إذا استفحل القص، فإذا ترفعت في القص، وقصت قصاً متفاحشاً، فنقول: الأصل المنع منه، ولا يقال بجوازه إلا بدليل، خاصة وأنها إذا تفاحشت في القص شابهت الرجال، وعلى هذا يمنع منه، وأما إن كان قصاً نسبياً يقصد منه تخفيف الشعر، خاصة عند تضررها في الغسل من الجنابة والحيض ونحو ذلك، فلا بأس بذلك ولا حرج، والله تعالى أعلم.