[المناضلة يقصد بها التقوي على الرمي في سبيل الله عز وجل]
قال المصنف رحمه الله تعالى:[وتصح المناضلة على معينين يحسنون الرمي] شرع المصنف رحمه الله تعالى في بيان مسألة المناضلة، وهي من المسائل المتعلقة بباب السبق، وذلك أن المناضلة -وهي الرمي بالسهم التام، الذي له نصل وريش في قول بعض العلماء رحمهم الله تعالى- المقصود منها أنها تعين على الرمي في سبيل الله عز وجل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الصحيح الذي تقدمت الإشارة إليه- قوله:(لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)، والشاهد منه قوله عليه الصلاة والسلام: إلا في نصل).
والرمي بالسهام يتقوَّى به المسلم على الجهاد في سبيل الله تعالى، ولذلك لا يراد من السباق أن يغلب أحد المتسابقين الآخر، وليس المقصود من وجود السباق في الرمي تنافس الفريقين، إنما المقصود تقوية النفوس وشحذ الهمم على مراعاة هذه الخصلة التي هي من فروسية الجهاد في سبيل الله عز وجل، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال:٦٠] أنه قال عليه الصلاة والسلام: (ألا إن القوة الرمي، إلا إن القوة الرمي، إلا إن القوة الرمي)، وهذا الحديث الصحيح يدل دلالةً واضحة على أن استعانة المسلم بقوة الرمي في سبيل الله عز وجل مقصودةٌ شرعاً.
ومن هنا أجاز الشرع المسابقة بالرمي، وقال بعض العلماء: إنها من أفضل أنواع الفروسية، وذلك لأن النكاية به في العدو أبلغ، ولذلك أدخل الله تعالى الجنة بالسهم الواحد يُرمَى به في سبيل الله عز وجل ثلاثةً: مَن صنعه يحتسب أجره عند الله عز وجل، ومَن براه يحتسب أجره عند الله سبحانه وتعالى، ومَن رمى به في سبيل الله عز وجل يحتسب أجره عند الله سبحانه، وهذا يدل على فضل هذه الخلة والخصلة من خصال الفروسية، لما فيها من عظيم الثواب عند الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا قال العلماء: تصح المناضلة.
وتقع المناضلة والمسابقة إما بين شخصين، أو أكثر من شخصين، ثم إذا كانوا أكثر فإما أن يكون كل شخص على حدة، وإما أن يكونوا طوائف ومجموعات، وكل ذلك جائز ومشروع، ولذلك بيّن المصنف رحمه الله جوازها، وشمولها لهذه الأحوال كلها.
فلو أن شخصين أرادا أن يتسابقا في الرمي بالسهم، فحينئذ لا بد من تحديد الغرض، وتحديد مقدار الرمي، عدد الرميات وعدد الإصابة، وتقدم معنا بيان وجه اشتراط ذلك، دفعاً للتنازع والخصام.
وكذلك معرفة من هو الآخر ومن هو السابق؛ لأنه إذا كان المقصود المسابقة فلا بد أن يظهر أحد الاثنين على الآخر، أو تظهر إحدى المجموعتين على الأخرى، وذلك يفتقر إلى تحديد الإصابات ونوع الإصابة، وإذا حدد الغرض، بعض العلماء يقول: يجعلون غرضين، يصاب الغرض، ثم يصاب الغرض الثاني، وحملوا ذلك على قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:(ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة)، ولكن الحديث ضعيف، وأثرت بعض الآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا ينتضلون، ويترامون بالسهام، والمصنف رحمه الله أطلق المسألة وقال: تصح المناضلة، ولا شك -من حيث مقصود الشرع- أن تصحيحها مبني لتقوية النفوس على الجهاد كما قلنا.