قال المصنف رحمه الله:[وتبطل صلاة مأمومٍ ببطلان صلاة إمامه فلا استخلاف].
هذا مذهب من يرى ارتباط صلاة المأموم بالإمام، حيث يرون أنه إذا أحدث الإمام، أو حصل منه ما يوجب بطلان صلاته فصلاة المأموم وراءه باطلة.
وقال بعض العلماء: يصح أن يستخلف الإمام إذا أحدث، والصلاة بالنسبة لمن وراءه صحيحة، ثم يذهب ويتوضأ.
مثال ذلك: لو أن إماماً صلى بالناس الظهر، ثم تذكر أثناء الصلاة أنه محدث، أو أن عليه نجاسة، أو صلى وطرأ عليه الحدَث، ففي هذه الأحوال يقوم الإمام بالاستخلاف، وهذا أصح أقوال العلماء، فيشرع للإمام أن يستخلف إذا طرأ عليه العذر في الصلاة فبطلت صلاته، ويصح للمأمومين أن يُتموا فرادى، فإن استخلف الإمام اعتبر البديل خليفته ونُزِّل منزلته، وإن لم يستخلف فحينئذٍ يتم كل إنسانٍ على حدة، فسواءٌ أبنوا صلاتهم على الاستخلاف، أم أتم كل واحدٍ منهم على حدة، فصلاتهم صحيحة، وهذا مذهب الجمهور وهو الصحيح؛ لظاهر قصة عمر رضي الله عنه، فإنه لما طعن استخلف عبد الرحمن بن عوف، وجعله مكانه إماماً يصلي بالناس، فدلَ هذا على مشروعية الاستخلاف، وأنه لا حرج فيه.
وبناءً على ذلك لا يُحكم ببطلان الصلاة، ويُعتبر قول المصنف رحمه الله:[فلا استخلاف] مرجوحاً، خاصةً وأن الصحابة رضوان الله عليهم قد فعلوا ذلك، ولم يقع بينهم نكير، وهي سنة راشدة، ويكاد يكون إجماعاً من الصحابة؛ لأنها قصةٌ اشتهرت ولم يُنكرها أحد، فكان هذا أقوى في الدليل على الاستخلاف.
والذين يقولون: إنه لا يستخلف قالوا: لقصة معاوية رضي الله عنه، فإنه لما ضُرِب على عجيزته أتم الناس فرادى، ولو صحّ هذا فإنه لا يعارض ما أُثر عن عمر، ونقول: اختلف قضاء الصحابة، فيقدم قضاء عمر على فعل معاوية، فإن عمر رضي الله عنه ممن أمر بالاستنان به، فتكون رتبة الصحابي هنا أقوى من رتبته هناك.
والأمر الثاني: نعتذر لـ معاوية بانشغاله بالطعن عن الاستخلاف، وصحة الائتمام بالإمام أن يُوجَد الخليفة المستَخْلف من الإمام، وكون الإمام لم يستخلف فإنه يحمل على أنه من شدة الطعن ذُهِل عن أن يستخلف للناس، وبناءً على ذلك نقول: إن فعل عمر يعتبر مقدماً على فعل معاوية رضي الله عنه، أو نعتذر لـ معاوية، فيصبح لا تعارض بين فعل الصحابيين، فـ عمر استخلف لمكان القدرة على الاستخلاف؛ لأن نفسه كانت أقوى، وكان صبره أكثر، ومعاوية فاته الاستخلاف، أو لم يستطعه لمكان قوة الألم، وحينئذٍ نعتبر حادثة معاوية خارجة عن موضع النزاع؛ لأن النزاع على الاستخلاف، ومعاوية لم يستخلف، فيكون هذا في جانب وهذا في جانب، ويصح القول بالاستخلاف، ويقوى من هذا الوجه.