والأصل أنه إذا قذف محصناً واحداً يقام عليه الحد ثمانون جلدة، وهذا لا إشكال فيه، إذا كان حراً وانطبقت الشروط المعتبرة للحد، فالمصنف رحمه الله بين الحكم إذا كان القذف لمحصن سواء كان ذكراً أو كان أنثى، حتى ولو قذف خنثى مشكلاً فإنه يقام عليه الحد، فالمحصن يشمل هؤلاء كلهم.
ولكن لو أنه خاطب اثنين، فقال: أنتما زانيان، أو فلان زنى بفلانة، أو فلان وفلانة زانيان، أو فلان وفلان وفلان زناة، فهل لكل واحد من هؤلاء حد، وله الحق أن يطالب بحده أم أنه إذا طالب به أحدهم أو طالبوا به جميعاً أقيم عليه حد واحد؟ اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة، وأصح القولين -والعلم عند الله-: أن كل واحد منهم له حق، وأن مطالبة الواحد لا تسقط حق الثاني؛ لأنه خاطب الجميع واتهم الجميع بالزنا، وعلى هذا؛ فإنه إذا قذف ثلاثة، فطالب أحدهم بحقه اليوم أقمنا عليه حده، ولو طالبوا الثلاثة مع بعض أقيم لكل واحد منهم حده، هذا هو الأصل؛ لأنه وجه التهمة لكل واحدٍ منهم، ومما يقوي هذا القول: أنه لو كان في الثلاثة من لا يقام عليه الحد لم يسقط الحد عن الجميع، فلو أنه خاطب جماعة وقال: يا زناة، وفيهم واحد زانٍ فعلاً، ثبتت عليه تهمة الزنا، واتهمهم وفيهم هذا الزاني، فلو قلنا: إنه قذف واحد يأخذ حكم الواحد؛ لأسقط وجود الخلل في أحدهم حق الباقين، لكننا نقول: إنه قد خاطب الجميع، وكل واحد منهم له حق، فإذا امتنع البعض عن المطالبة بحقه، فمن حق الآخر أن يطالب بحقه، وإذا طالب أحدهم لم يسقط حق الباقين؛ لأنهم متهمون جميعاً، وكما أقيم لهذا حقه يقام للآخر حقه.
وعلى هذا فإنه يتعدد الحد ويتكرر على أصح قولي العلماء رحمهم الله؛ والنظر يقوي هذا، فإنه إذا قذف ثلاثة، يكون كما لو قذف كل واحد منهم قذفاً مستقلاً، فلو أنه قال لمحمد وعلي وعبد الله: أنتم زناة، فحكمه كما لو انفرد بمحمد فقال له: أنت زانٍ، وحكمه كما لو قال لعلي مباشرة: أنت زانٍ، وكما لو قال لعبد الله: أنت زانٍ، فكما أنه لو قذف كل واحد منهم مستقلاً لا تجمع الحدود في حد واحد؛ كذلك لو قذفهم جميعاً مباشرة؛ لأن الكل وقع عليه اعتداء في عرضه سواءً كان مجتمعاً مع غيره أو منفرداً، وعلى هذا -تعظيماً لحدود الله وحرماته- فإنه يقام عليه الحد لكل واحد منهم يريد أن يطالب بحقه، فيعاقب بالحد، ويكرر عليه، على ظاهر النص أن المقذوف له حق المطالبة بإقامة الحد على من قذفه.