للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رجم الزاني المحصن]

قال رحمه الله تعالى: [إذا زنى المحصن رجم حتى يموت] أي: إذا فعل الزنا في حالة كونه محصناً، وتوافرت فيه شروط الإحصان؛ فإنه يرجم حتى يموت، وهذه العقوبة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في صحيح مسلم أنه قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم).

ونص عليه الصلاة والسلام على الرجم بالفعل؛ فإن ماعزاً لما اعترف عنده قال بريدة رضي الله عنه: فأمر به فرجم، كما في صحيح مسلم، ورجم المرأتين اللتين اعترفتا بالزنا، ورجم اليهودي واليهودية، فهذا كله يدل على مشروعية الرجم، وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن تطاول الزمان بالناس ليقولن أحدهم: إن الرجم ليس في كتاب الله، كما يقول ذلك الآن من يسمون أنفسهم بالقرآنيين، يقولون: ما نعمل إلا بالقرآن، ولا يعملون بالسنة! ألا ساء ما يقولون، وساء ما يزرون، فرد السنة كرد القرآن -والعياذ بالله-، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم شبعان ريان متكئاً على أريكته) -وقد وقع هذا من بعض العظماء المتأخرين من أهل الجاه، فصدقت معجزته عليه الصلاة والسلام- قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته شبعان ريان يبلغه الحديث مما قلته أو أمرت به فيقول: ما نجد هذا في كتاب الله، ولقد أوتيت القرآن ومثله معه)، وأنكر عمر في خطبته على من ينكر الرجم لكونه غير موجود في القرآن، حيث أن الله يقول: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢] وما ذكر الرجم، فقال عمر رضي الله عنه في خطبته: إنها كانت في كتاب الله ثم نسخت، قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نص الآية: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة؛ نكالاً من الله، والله عزيزٌ حكيم) والحديث فيها صحيح، ثم نسخت، وهذا مما نسخ تلاوة وبقي حكماً، وقد بينا أن المنسوخ أقسام: منسوخ التلاوة والحكم، ومنسوخ الحكم دون التلاوة، ومنسوخ التلاوة دون الحكم، وهذا من أمثلته، ومن أمثلته كذلك ما تقدم في الرضاعة: (كان فيما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات معلومات).

وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الرجم عقوبة شرعية، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجم من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، ورجم الأئمة في القرون المفضلة، وكلهم على اعتبار هذه العقوبة، وأنها شرعية، وشرطها الإحصان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>