من كان مستأجراً لدار، وأراد أن يصلح فيها ما خرب، فهل لا بد أن يستأذن من المالك عموماً، أم يصلح مرافقها ويحتسب ما أنفقه من قيمة الإيجار؟
الجواب
إذا استأجرت داراً فليس من حقك أن تتصرف في عين الدار، فتغير فيها أو تُحدث فيها إلا إذا استأذنت مالكها، أما ما يكون من جنس المنافع ومن حقك عرفاً أن تفعله، فإنك تفعله، فإذا كان هذا الذي تفعله فيه ضرر أو فيه زيادة أو نقصاً أو تغيير لصفة العين المؤجرة، فلابد أن تستأذن.
فلو استأجرت داراً مكونة من أربع غرف، وكان بالإمكان أن تفتح كل غرفتين على بعضها، فلابد أن تستأذن، ولا تنقل الجدار الحائل إلا بإذن، وكذلك أيضاً لو أردت أن تحدث أشياء، كوضع المسامير في الجدار أو نحوها، فلابد أن تستأذن، فإن لم يأذن لك وفعلت ذلك من عندك، فإنه يجب عليك شرعاً إذا فرّغت الدار أن تسلمها بالصفة التي استلمتها عليها.
وهذه مسألة من أعظم المسائل التي يعظم فيها الضرر، وأحبِّذ للخطباء وأئمة المساجد أن يذكِّروا الناس بالله عز وجل، فإن حقوق العيون المؤجرة -في هذا الزمن- ضائعة بين الناس إلا من رحمهم الله، فالمستأجر إذا انتهى وخرج من البيت، أو خرج من الدكان أو العين المؤجرة، فإنه يخرج منها بحالة قد تحتاج إلى استصلاح يقارب نصف قيمة الأجرة، ومما لا يخفى أنه قد تكون هذه العين أو هذه العمارة ملكاً لأيتام، وقد تكون ملكاً لأرامل وقفاً عليهم، ولذلك يعتبر هذا المال الذي أفسده المستأجر في ذمته ورقبته يوم القيامة، فلو أفسد العين المؤجرة، وأحدث وغيّر وتصرّف فيها، فإنه يجب عليه أن يعيدها على الصفة التي استلمها بها، حتى ذكر العلماء الكنيف الذي هو محل قضاء الحاجة، فقد كان في القديم ينزح وينظف، فقالوا: إذا استلمه نظيفاً، فلابد أن يخرج وهو نظيف، بمعنى أنه لا يبقيه بفضلته، وذلك كله من باب التشديد في الحقوق.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن الناس في عرصات يوم القيامة تطيش عقولهم من الذنوب والمظالم؛ لأنه يؤتى بالمظالم مثل الخردلة وأدنى من ذلك:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:٤٧]، والله عز وجل قد أمر العباد برد الحقوق إلى أهلها، فهذا حق، فإذا استأجرت العين كاملة فتردها كاملة، وإذا استأجرتها سليمة فتردها سليمة، أما لو أضر بأرضيتها، أو بسقفها، أو بجدارها، أو بأي شيء فيها، فإنه يضمن ذلك ويرده كاملاً إلى صاحبه.
فينبغي تنبيه الناس في هذا الأمر؛ لأنها من الحقوق التي تضيع بين الناس، ويُنبَّهون على الأمور التي ينبغي أن يراعيها المسلم مع أخيه المسلم في مثل هذه العقود؛ من ضمان الحقوق، وعدم الظلم، وعدم الأذية، وعدم الإضرار، فليتق الله المسلم في حقوق إخوانه، خاصة الأوقاف المؤجرة؛ لأنها تكون ملكاً لأناس مستحقين؛ كالضعفة والعجزة، وتصرف غلّتها عليهم، فإذا أُفسِدت هذه الأوقاف وضُيِّعت، فحينئذٍ تضيع حقوق من تصرف لهم.
والناظر هو المسئول أمام الله عز وجل؛ لأن تساهل الناظر وسكوته يمكِّن المفسد من إفساده، فإذا جاء الناظر ليستلم العين المؤجرة، فعليه أن يطالب المستأجر أن يسلمها كما استلمها، أما أن يتركه يفسد فيها ويغيّر فيها ويعبث على مرأى منه ومسمع، فإذا سلمها سلمها ناقصة، ثم صرف من غلة الوقف لاستصلاحها؛ فهذا ظلم لأصحاب الحقوق، وينبغي التنبه لمثل هذه الحقوق والتنبيه عليها؛ لما فيها من الأذية والإضرار الذي نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، نسأل الله العظيم أن يجنبنا الزلل، وأن يعصمنا في القول والعمل، والله تعالى أعلم.