القسم الثاني: أن يكون غائباً في حال يغلب عليها السلامة
مثل أن يسافر للتجارة في بلدٍ آمن، أو أن يسافر ومن عادته أن يسافر، وفجأة انقطعت أخباره ولم يعرف هل هو حي أم ميت، أو سافر لصلة رحم وبعد ما تركهم لم يعرف ماذا صار له وماذا جرى؛ فإذا سافر على وجه غالبه السلامة كالتجارة والنزهة والصيد ونحو ذلك وفقد فمذهب جمهور العلماء: أنه ينتظر.
يعني: الأصل أنه حي وتبقى امرأته على هذا الأصل حتى تستيقن موته، إما أن يأتيها خبر أنه ميت أو تمكث مدة يغلب على مثله أن يموت، هذا وجه.
أو تمكث إلى أن يقدر عمره تسعين سنة، وقيل: إلى مائة، وقيل: إلى مائة وعشرين.
صورة المسألة: الرجل عمره ستون سنة مثلاً، والمرأة شابة عمرها ثماني عشرة سنة، أو خمس عشرة سنة، فتنتظره إلى التسعين، قالوا: والغالب أنه لا يجاوز التسعين.
وقال بعض العلماء: تنتظر إلى مائة وعشرين.
ومن أهل العلم من قال: ينظر إلى أقرانه ومن في سِنّه، فإذا انقرضوا وماتوا حكم بوفاته، وهذا كله لأجل قضية الإرث والحقوق التي سترتب على الحكم بوفاته، فهم يقولون: نبقى على الأصل أنه حي حتى يغلب على الظن هلاكه، والقول بأنه ينظر إلى من هم في مثل سنه ومن هم أقرانه حتى ينقرضوا أشبه، وكل الأقوال هذه عند الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ذكروا أنه ينتظر على التفصيل الذي ذكرناه، فمنهم من قدر التسعين، ومنهم من قدر المائة، ومنهم من قدر المائة والعشرين كما نص عليه بعض فقهاء الحنفية والشافعية رحمة الله عليهم.
فينتظر هذه المدة، فإذا مضت هذه المدة حكم بوفاته.
وفي هذه الحالة لو قلنا: إن المرأة تنتظر.
فالمرأة قد تخاف على نفسها الحرام والفتنة، ولا تستطيع أن تنتظر هذه المدة، وتريد حقوقها، وتريد من يعولها ويقوم عليها، كأن ترغب في الزواج، فترفع أمرها إلى القاضي وتشتكي، وفي بعض الأحيان من حق القاضي أن يطلق عن الزوج إذا رأى ظلم المرأة، وخشي عليها.
إذاً: فالمرأة لها أن تنتظر، لكن متى نحكم بإرثها منه؟ ومتى نحكم باعتدادها من عدة الوفاة؟ وهذا الكلام في حال إذا رضيت أن تبقى وتعتد عدة الوفاة، فإذا قالت: أنا سأبقى، ولا أريد تركه، وأريد حقي في إرثه مثلاً، ففي هذه الحالة نقول: لا حق لك ولا إرث لك حتى تمضي المدة التي غالباً أنه يهلك فيها، ثم بعد ذلك يحكم بموته تقديراً، على تفصيل في مسألة الإرث والميراث، ولكن الذي يهمنا هنا أنها تمكث منتظرة إلى أن يغلب على الظن هلاكه بهلاك أقرانه، أو بمضي مدة على التفصيل الذي ذكرناه.
قال رحمه الله: [تتربص ما تقدم في ميراثه ثم تعتد للوفاة].
تتربص ما تقدم في ميراثه من كتاب الفرائض وقد تقدم، والعلماء دائماً يحيلون المسائل على مواضعها ومظانها، فمظان هذه المسألة في ميراث المفقود وقد تقدم، وهذا التفصيل في كتاب الفرائض وفي غيره أنهم يقولون: إنها تنتظر إلى أن يغلب على الظن هلاكه.