قال رحمه الله:[وإذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ففعلا ولا مهر بطل النكاحان] إن شرط أن يزوجه موليته أو ابنته، فقال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك فهذا نكاح الشغار، مأخوذ من قول العرب: شغر الكلب رجله إذا رفعها ليبول -أكرمكم الله-، فكأنه يقول: لا تستمتع بموليتي بشغر الرجل -وضع الجماع- حتى أستمتع بموليتك، فكأنه جعل البضع عوضاً عن البضع، وهذا النوع من النكاح كان نكاحاً جاهلياً، والشريعة لما جاءت لأنكحة الجاهلية أقرت وأبطلت وفصلت، فهناك أنواع أبطلتها بالكلية وهناك أنواع أقرتها، وهناك أنواع فصلت في أحكامها كما سيأتي -إن شاء الله- في أنكحة الكفار.
فالنكاح الذي ألغته نكاح الشغار، وكان من أنواع الأنكحة التي يظلم فيها النساء، والظلم في نكاح الشغار يقع بصورتين: الصورة الأولى: أن الرجل يقول: ابنتي بابنتك ولا مهر، فيجعل البنت مقابل البنت والبضع مقابل البضع، فلا يستمتع حتى يستمتع الآخر، وهذا من أبشع الظلم؛ فإنه قد يكون أحدهما غير مرضي، وقد يكون الاثنان غير مرضيين، فكل منهما يخون أمانته ويضيع حق موليته طلباً لربحه ومنفعته، فكأنه يطلب حظ نفسه في نكاح الثانية بالإضرار بابنته، والآخر يضر بابنته، فقد يكونان كبيرين في السن وقد تكون فيهما من العاهات والآفات ما لا يقبل معه مثلهما زوجاً، ولكن يضحي كل منهما بحق موليته لمصلحته في مولية الآخر، فهذا الظلم الأول.
النوع الثاني من الظلم: أن يكون لا مهر، فيضران بالمهر، فيخفف من مهر هذه لقاء مهر تلك أو يسقطان المهر كلية.
وأياً ما كان فنكاح الشغار بتلك الصورتين سواءً كان هناك مهر -على الصحيح من أقوال العلماء- أو لم يكن هناك مهر -بإجماع العلماء رحمهم الله في الصورة الثانية- لا يصح وهو نكاح فاسد، وإذا ثبت هذا فكل من زوج أخته أو ابنته أو موليته أياً كانت بمولية الآخر فالنكاح فاسد؛ لما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه (نهى عن نكاح الشغار).
وأما قول الراوي: أن يزوجه موليته على أن يزوجه موليته ولا مهر بينهما كما اختاره المصنف فهذا على الصحيح أنه من قول نافع وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بتفسير مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أضرار الشغار: أنه إذا تزوج هذه بهذه فإنه متى ظلمت هذه ستظلم هذه ويصبح وسيلة للإضرار، فالمرأة ضحية في كل هذه الصور، ولذلك يعتبر من سماحة الإسلام ويسره ورحمته للمرأة تحريم هذا النوع من النكاح، فلا يجوز نكاح الشغار سواءً وجد المهر أو لم يوجد.
لكن لو أن رجلاً خطب ابنة رجل فزوجه وبعد أسبوع أو بعد شهر دون مواطأة ودون وعد وبدون ترتيب خطب الآخر ابنته فإنه يصح، فإذا لم يكن بمواطأة ولم يكن بمقابلة فإنه يجوز ولا بأس بذلك، خاصة إذا لم يكن فيه ظلم، كرجل تزوج أخت رجل فأراد الآخر أن يتزوج أخته، وهذا يقع كثيراً، فإن الرجل يأتي إلى البيت ويرغب في بنت من بناته، فإذا شوهدت البنت ورغب فيها وعقد النكاح تعارفت الأسرتان فنظرت أم هذه المنكوحة إلى بنت من بنات أرحامهم فأعجبتها ورضيتها لابنها الذي هو أخ للزوجة المنكوحة، فخطبتها دون اتفاق ودون ترتيب، فمثل هذا لا بأس به ولا حرج فيه، بل إنه لا يسلم منه كثير من المجتمعات، ويكون -غالباً- نوعاً من التواد والتواصل ويتحقق به شيء من الألفة.
وعلى هذا فنكاح الشغار نكاح محرم، وقد أجمع العلماء رحمهم الله أنه من الأنكحة المنهي عنها شرعاً.
قال:[فإن سمي لهما مهر صح] هذا على ما اختاره المصنف وطائفة من أصحاب الإمام أحمد، والصحيح ما ذكرناه من أنه سواء سمي المهر أو لم يُسَمَّ ما دام أنه قال له: ابنتي بابنتك، أو أختي بأختك، أو زوجني فلانة أزوجك فلانة؛ فهذا كله من نكاح الشغار، وجد المهر أو لم يوجد؛ لأنه بضع ببضع وامرأة بامرأة.