[تكرار الفاتحة]
قال رحمه الله: [وتكرار الفاتحة].
تكرار الفاتحة يأتي على وجهين: الوجه الأول: أن لا يكون معذوراً.
والوجه الثاني: أن يكون معذوراً بالتكرار.
أما التكرار الذي لا يعذر فيه فكأن يقرأ الفاتحة مع علمه أنه قرأها، فللعلماء قولان: قال بعض العلماء: من كرر الفاتحة عالماً أنه كررها بطلت ركعته.
وقال بعضهم: بل تبطل صلاته، ووجه ذلك: أن الفاتحة ركن، فإذا كررها مرتين فإنه يكون قد زاد ركناً قولياً، وزيادة الركن القولي مؤثرة كزيادة الركن الفعلي، فهذا وجه من يقول في أن من كرَّر الفاتحة تبطل صلاته.
وقال بعض العلماء -كما درج عليه المصنف-: من كرر الفاتحة كرِه له ذلك، ولا تبطل صلاته؛ لأنه خلاف السنة، ولا تبطل صلاته؛ لأن زيادة الأقوال ليس كزيادة الأفعال.
وهذا مُرَكَّب على مسألة الزيادة في الماهية والخارج عن الماهية؛ فإن زيادة الأفعال تُعتَبر زيادةً في الماهية فأبطلت؛ لأنها زيادة في هيئة الصلاة، بخلاف زيادة الأقوال فإنها لا تؤثر في الهيئة، فالهيئة على ما هي عليه، قالوا: وبناءً على ذلك لا يؤثر هذا على صلاته.
إلا أن تسليم أصحاب هذا القول بأن الفاتحة ركن يُوجِب إحراجهم من هذا الوجه، ولذلك ينبغي اتقاء تكرار الفاتحة على هذا الوجه.
الوجه الثاني: تكرارها لحاجة، مثل الذي يشك أنه قرأ الفاتحة، فهذا لا يخلو من حالتين: الأولى: أن يكون الشك معه طارئاً، كما لو صليت ذات يومٍ الظهر، ثم شككت هل قرأت الفاتحة أو لم تقرأها، فاليقين أنك لم تقرأ، فتقرأها وتلزمك قراءتها.
ففي هذه الحالة إذا كان الشك طارئاً فحينئذٍ لا حرج وأنت معذورٌ لوجود السهو.
الحالة الثانية: أن يكون الشك مسترسِلاً، كالموسوس، فإنه حينئذٍ لا يخلو شكه في الفاتحة من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون بعد دخوله في السورة، فإذا دخل في السورة وجاءه الشيطان وقال له: لم تقرأ الفاتحة فإنه يلغي هذا الشك؛ لأن الظاهر من حاله بدخوله في السورة أنه قد قرأ الفاتحة، ووجود الشك المسترسل يدل على ضعف هذه الشبهة، فيبقى على دلالة الظاهر ويُلغِي الأصل من هذا الوجه.
الحالة الثانية: أن يكون شكه في حال سكوته، والتبس عليه كون سكوته بين الفاتحة وبين السورة، أو بين دعاء الاستفتاح وبين الفاتحة، فالأصل أنه ما بين دعاء الاستفتاح وما بين الفاتحة فيقرأ الفاتحة ولا حرج عليه في هذا التكرار.
قال رحمه الله: [لا جمع سور في فرض كنفلٍ].
أي: أنه لا يُكره تكرار السور وجمعها في فرضٍ، فلو أن إنساناً قرأ سورتين في ركعة فلا حرج عليه، وليس بمكروه، وقال بعض العلماء بالكراهة، ولكن السنة خلافه، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقر الصحابي الذي كان يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] في كل ركعة، فإنه كان يقرؤها مضافةً إلى السورة، وكان ابن مسعود يقول: (إني لأعرف النظائر التي كان يجمع بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته)، فلا حرج أن تجمع بين السورتين في ركعةٍ واحدة.