[اشتراط قدرة الزوج على الوطء للزوم العدة]
قال رحمه الله: [وقدرته على وطئها].
وقدرة الزوج على وطء زوجته، فلو كان غير قادر على وطئها، كأن يكون -مثلاً- بحالة لا يمكنه أن يطأها كالنائم أو مثل ما ذكر بعضهم: السكران.
وكان بعض مشايخنا يقول: هذا لا يمكنه؛ لأنه يحتاج إلى شيء من التهيؤ والقصد، وإن كان بعضهم يجعل مسألة السكران في حكم الشرط السابق، وهو: علمه بها؛ لأن السكران لا يعلم، والله يقول: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:٤٣].
قال رحمه الله: [ولو مع ما يمنعه منهما أو من أحدهما حساً أو شرعاً].
(ولو) إشارة إلى خلاف مذهبي، أي: ولو كانت هذه الخلوة مع وجود ما يمنع في أحدهما أو فيهما، والمانع إما أن يكون حسياً أو أن يكون شرعياً، فالمانع الحسي: مثل أن يكون مجبوباً، وقد تقدمت معنا العيوب ومنها: الجب، وهو: قطع الذكر، وهو إما أن يكون جباً كاملاً كقطع الذكر بكامله مع الخصيتين، فهذا لا يرتبون عليه العدة؛ لأنه إذا كان جباً كاملاً بأن قطع الذكر مع الخصيتين فلا يتأتى منه حمل؛ لأنه لا يتأتى منه جماع، ولو كان الجب ببعض الذكر بحيث يمكنه أن يطأ بما بقي أو ببعضه على وجه يمكنه أن ينزل -لأن الخصيتين باقية- فيمكن أن يحصل الحمل، فلو جامعها مع كونه مجبوباً فربما أنزل المني فحملت من هذا المني فتحتاج إلى العدة للاستبراء، ومن هنا فرقوا بين الجب الكامل والجب غير الكامل.
أي: أن يكون مقطوع الذكر ومقطوع الخصيتين أو لا يكون مقطوع الخصيتين، فهذا المانع الحسي في الرجل، والمانع الحسي في المرأة: كأن تكون رتقاء، وقد بينا عيوب النكاح التي تكون في النساء وفصلنا فيها، كأن يوجد فيها عيب يمنع من وطئها، كأن تكون ضيقة الفرج وهذا عيب يمنع من وطئها؛ فإنه حينئذ لا يحكم بثبوت العدة.
فهذا هو المانع الحسي الذي لا تثبت به العدة سواء كان العيب في الرجل أو في المرأة أو فيهما معاً، كأن يكون مجبوباً أو كانت رتقاء.
كذلك لو كان المانع الذي يمنع من الوطء شرعياً كالحيض، والنفاس، والاعتكاف، والإحرام.
كرجل اختلى بامرأة حائض ثم طلقها، فلا يمنع من ثبوت العدة في حقها، فهذا مانعٌ شرعي لكن تثبت العدة مع وجود هذا المانع الشرعي، ومن الموانع الشرعية: أن يكون محرماً وتكون هي محرمه أو أحدهما محرماً فخلا بها فلا يمنع من ثبوت العدة، فإنه لو خلا بها وثمة مانعٌ شرعي في أحدهما أو فيهما معاً فلا يمنع من ثبوت العدة؛ لأنه ربما -والعياذ بالله- انتهك حدود الله ووطئها، وهذا فيه حفظ للحقوق؛ لأن المرأة لو لم تثبت لها العدة على هذا الوجه، فربما حملت وكتمت حملها، وربما تُوفي عنها وتتهم بالحرام مع أنه قد أصابها، فعلى كل حال: هذا المانع لا يمنع من العدة.
مقصود المصنف -رحمه الله- أن يقول: إذا وجدت الخلوة ولو مع وجود ما يمنعه حساً أو يمنعها حساً أو مع وجود ما يمنعه شرعاً أو ما يمنعها شرعاً من الوطء لزمت العدة، فما دام حصل الاختلاء على وجه يمكن فيه أن يطأها فالعدة ثابتة، هذا مراد المصنف، وبناء على ذلك فلو سألك سائل، فقال: لو تزوج رجل امرأة ثم بعد زواجه منها اختلى بها خلوة يمكنه أن يطأها في هذه الخلوة، لكن فيه أو فيها أو فيهما مانع حسي أو شرعي: فهل تثبت العدة؟ تقول: نعم، فوجود هذا المانع لا يمنع من كونه يحصل مسيس -مثلما ذكرنا- كأن يكون مجبوباً يتأتى الحمل من مَائِه، أو يكون محرماً أو معتكفاً، أو تكون هي حائضة أو نفساء، فهذا كله لا يمنع من ثبوت العدة.
(حساً أو شرعاً) يعني: سواء كان المانع حسياً أو شرعياً.