قوله:(ثم ينوي غسله): هذا فيه خلاف بين العلماء: فالحنفية لا يرون نية الغسل، والجمهور يرون نية الغسل وهو الصحيح، وأصل المسألة مفرعة على غسل الحي أيضاً؛ والصحيح وهو مذهب الجمهور: أنها تشترط، ولا يصح الغسل من الجنابة لحي إلا بنية، وقد قدمنا هذه المسألة وذكرنا الأدلة وخلاف العلماء والراجح فيها، فالصحيح أنك تنوي.
وبناءً على ذلك: ما فائدة أن نقول: إنه لا بد من النية؟ فائدة ذلك: أنه لو أُخِذَ الميت ووضع في موضع عُممَ الماءَ على بدنه، كأن يوضع في بركةٍ صغيرة -بطريقة أو بأخرى- ويكون عالي الصدر، ويمر الماء على سائر جسده بقصد التنظيف، أو صبّ الماء عليه بقصد تنظيفه لا بقصد القيام بحق الغسل، فحينئذٍ نقول: هذا الغسل ليس تعبدياً؛ لأنه لم ينو، فحينئذٍ يلزم أن يعاد الغسل مرةً ثانية، هذا هو وجهه.
وأما الدليل على اشتراط النية فقد قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة:٥] وقال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:٢] فأمر سبحانه وتعالى بإخلاص الدين له، والغسل من الجنابة دينٌ وعبادة، ولا يمكن للإنسان أن يقصد القربة بهذا العمل -أعني: الغسل- إلا بالنية؛ لأن الغسل يقع على صورة العبادة ويقع على صورة العادة، فيقع على صورة العبادة كما في غسل الجنابة وغسل النفساء، ويقع على صورة العادة كالغسل للاستحمام، فلما كان الفعل في حد ذاته صالحاً للعادة وصالحاً للعبادة؛ فإنه لا يمكن تميز العادة عن العبادة إلا بالنية، فأصبحت واجبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات) والغسل عمل.
وقوله:(ويسمي) أي: يقول: (باسم الله) عند تغسيله.
وقوله:[ويغسل برغوة السّدْر رأسه ولحيته فقط]: وذلك بأن يأخذ إناءً مخصوصاً ويضع السدر فيه ويضربه فيه حتى تصير له رغوة كرغوة الصابون، فيأخذ هذه الرغوة النقية من السدر ويغسل بها رأسه وشعر وجهه، والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام:(اغسلوه بماءٍ وسدر).