للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدلة على تقديم الفقيه للإمامة]

أما الدليل على تقديم العالِم بالحلال والحرام فحديث أبي مسعودٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة).

والعلم بالسنة يكون على ثلاثة أضرب: الأول: أن يحفظ السنة ويكون من حفّاظها، وهذا الذي يسميه العلماء الحافظ والمحدّث، وهو الذي يُسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحفظ الأحاديث، ويكون عالماً بما قاله عليه الصلاة والسلام.

الثاني: أن يعرف، أو يفهم ويفقه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام التي تتضمنها هذه الأحاديث، ولكن حفظه للأحاديث قليل، وليس عنده حفظ للأحاديث، ولكن إذا جاء النص من الأحاديث يحسن فهمه، ويحسن تخريجه، ويعرف ما تعارض من الأحاديث وكيفية الجواب عنها، وكيف الخروج من إشكالها، فالأول حافظٌ للحديث، والثاني فقيه بالحديث.

الثالث: من جمع الله له بين الحسنيين فحفظ الأحاديث مع الفهم، فيكون عنده إلمام بما قال عليه الصلاة والسلام، بحيث يحفظ الأحاديث والآثار، وعنده شغف وتلهف لمعرفة ما ورد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم القولي والفعلي والتقريري، ثم كذلك إذا جاءته السنة فإنه يعرف كيف يفهمها، وعلى أي محملٍ يحملها عليه، فهذه أشرف المراتب، وهي أعلى مراتب السنة، فيكون حافظاً لها فقيهاً بما فيها من المعاني، وكل هذه المراتب مراتب شرف.

وأما المرتبة الأولى -وهي مرتبة الحفظ- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: (نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها -وفي رواية: فوعاها- فأداها كما سمعها)، فقوله: (نضّر الله) قال بعض العلماء: هو من النضارة، وهي الحسن.

وقال بعض العلماء: يُحشر أهل الحديث وهم بيض الوجوه لهذا الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أي: نضر الله له وجهه في الآخرة.

وقال بعض العلماء: بل الحديث على إطلاقه، أي: نضّر الله وجهه في الدنيا والآخرة.

فمن حفظ حديثاً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وبلغه فإنه داخلٌ تحت هذا الفضل، فمن شاء فليستكثر، ومن شاء فليستقل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (نضّر الله) وأطلق، وقال بعض العلماء: لأهل الحديث نورٌ في وجوههم بحفظهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما فقه الأحاديث فهذا هو المقصود في النصوص، كما قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩]، ولم يجعله للحفظ وحده، وإنما قال: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩].

وقد عتب على بني إسرائيل حين حفظوا ولم يعملوا، فقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:٥]، فالمهم مرتبة الفقه والعمل، وإذا جمع الله للعبد الحسنيين فقد حاز تلك الفضيلتين، فلو اجتمع من يحفظ الأحاديث ومن يحفظ القرآن فإننا نقدم من يحفظ القرآن، ثم لو اجتمع من يحفظ السنة أكثر ومن هو أقل منه حفظاً للسنة فإننا نقدم من هو أحفظ للسنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>