[الخيار لأجل اختلاف المتبايعين]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [السابع: خيار لاختلاف المتبايعين] أي: النوع السابع من أنواع الخيار خيار يقع لعلة اختلاف المتبايعين.
والسبب في ذلك: أن المتبايعين إذا وقع بينهما خلاف إما في قدر الثمن، أو في صفة المبيع، أو في صفة عقد البيع، فإنه في هذه الحالة لا بد من الفصل بينهما، فإما أن يعتبر قول البائع وإما أن يعتبر قول المشتري، وإما أن يسقط القولان، أو يتحالفا فيكون لكل واحد منهما فسخ البيع.
ونظراً لوجود التخيير في حال الحلف أو في حال سقوط القولين، فإنه من المناسب أن يذكر هذا في باب الخيار، ومن المعلوم أن البيع يفتقر للإلزام به إلى رضا الطرفين، فإذا تراضى الطرفان على بيع السلعة وشرائها بثمن معين، فقد لزم البيع للباذل وهو البائع، ولزم البيع للمشتري وهو الآخذ.
وعلى ذلك لا يكون لأحدهما خيار بناءً على الأصل، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١]، فالأصل أنه إذا بيعت السلعة فأوجب البائع وقبل المشتري، أننا نلزم البائع بالبيع ونلزم المشتري بدفع الثمن، لكن إذا حصل الخلاف بينهما فإن الخلاف يمنع الرضا الذي على أساسه حكم بصحة البيع، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:٢٩] فأحل الله لنا البيع والتجارة بشرط وجود الرضا، فإذا اختلفا انعدم الرضا، فهذا يقول: بعت السلعة بعشرة، والثاني يقول: اشتريتها بثمانية، وهذا يقول: بعت العمارة بعشرة آلاف، والآخر يقول: بل اشتريتها بتسعة آلاف، فمعناه: أن البائع قد بذل هذه الصفقة -العمارة مثلاً- بعشرة آلاف، ورضي أن يأخذ العشرة في مقابل سلعته، فإذا قال المشتري: بل بثمانية، فمعنى ذلك أن الذي حصل الرضا عليه ليس بموجود، ومن هنا يكون الخيار في البيع على تفصيل سيذكره المصنف رحمه الله.
وإذا وقع الخلاف بين المتعاقدين فهناك أحوال: الحالة الأولى: أن يوجد الدليل الذي يرجح قول البائع أو قول المشتري، بأن قال البائع مثلاً: بعتك سيارتي هذه بعشرة آلاف، وقال المشتري: اشتريتها بثمانية آلاف، فوقع الخلاف بينهما، فقال المشتري: عندي شاهدان عدلان يشهدان أنك بعتها لي بثمانية آلاف، فأقام البينة بالشاهدين العدلين، فحينئذٍ الحكم سيكون لقول المشتري، والبيع تام بثمانية آلاف ويلزم البائع بدفع السلعة بثمانية آلاف، ولا خيار؛ لأنه قد قام الدليل على ترجيح قول المشتري، والحق حقه.
والعكس: فلو أن البائع قال: بعتها بعشرة آلاف، فقال المشتري: بل بثمانية آلاف، قال البائع: عندي شهود يشهدون أنك قد رضيت شراءها بعشرة آلاف، فأقام شاهدين عدلين، على أنه اشترى منه بعشرة آلاف، فحينئذٍ يكون القول قول البائع، ويلزم المشتري بدفع عشرة آلاف، وهكذا لو أقام أحدهما شاهداً وحلف اليمين معه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد مع اليمين.
فهذه الحالة الأولى: أن توجد البينة التي ترجح أحد القولين على الآخر.
الحالة الثانية: أن يحصل الصلح والتراضي فيرضى البائع بقول المشتري، أو يرضى المشتري بقول البائع، فمثلاً: قال البائع: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، قال المشتري: بل اشتريتها بثمانية آلاف، قال البائع: أنا متأكد أنني بعتها بعشرة آلاف، فقال المشتري: أنت ثقة عندي وقد رجعت إلى قولك بعشرة آلاف.
فرضي المشتري بقول البائع.
أو العكس: قال البائع: بعتك السيارة بعشرة آلاف، فقال المشتري: بل اشتريتها بثمانية آلاف، فقال البائع للمشتري: أنت عندي ثقة وقد رضيت بثمانية آلاف، فإذا رضي أحد الطرفين بقول الآخر، نقول: يحكم بالبيع بما تراضيا عليه؛ لأن حقيقة البيع قائمة على الرضا، فإذا تراضيا واصطلحا بعد الخلاف فلا إشكال؛ لكن الإشكال إذا وقع الخلاف بينهما ولم توجد بينة، ولم يوجد الصلح والتراضي بينهما.
وفي بعض الأحيان قد توجد البينة من الطرفين، هذا عنده بينة، وهذا عنده بينة وإذا تعارضت البينتان سقطتا على تفصيل سيأتي إن شاء الله في باب القضاء والبينات، لكن الذي يهم هنا أنه يقع الخلاف بينهما على وجه لا يمكن الترجيح، أي: أن نرجح أحد القولين على الآخر.
فقال رحمه الله: [خيار لاختلاف المتبايعين] أي: النوع السابع من أنواع الخيار أن يقع الخلاف بين البائع والمشتري، في قدر الثمن أو جنس أو نوع الثمن، أو صفة البيع أو صفقة المبيع، هل هو عاجل أو آجل، بالتقسيط أو بالنقد إلخ.
فيقع الخيار على تفصيل سيذكره المصنف رحمه الله.