[الركن الثاني عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير]
قال رحمه الله تعالى: [والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه].
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن على هذا القول، والحقيقة أنه ليس هناك دليل قوي على ركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، بل هي سنة ثابتة ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُشك في هذا، لكن القول بأنها ركن لو تُركت تبطل بها الصلاة ليس عليه دليل صريح.
واحتج من يقول بركنيتها بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] وهذا عام، ومثل هذا لا يصلح حجة على الإلزام، ولو قلنا بأنه يصح حجة لقلنا: غاية الأمر أن يكون واجباً لا ركناً؛ لأن الركنية توجب بطلان الصلاة.
والأمر الثاني: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جاءت أشبه ما تكون من أجل الدعاء، ولذلك شرعت الأدعية أن يكون فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة أشرف مواضع الدعاء، فهي مناسبة من أجل الدعاء.
فإذا كان الأصل ليس بواجب فمن باب أولى ما يُقصد له، فإن الدعاء نفسه ليس بواجب، وبناءً على هذا يكون ما شُرِع له ليس بواجب من باب أولى وأحرى.
ولذلك ليس هناك حديث أو آية تدل صراحة على كون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركناً في الصلاة.
واحتجوا أيضاً بحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه في تعليمه صلى الله عليه وسلم الصحابة الصلاة عليه بقوله: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد) قالوا: هذا أمر، ويدل على ركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
ويجاب عنه بأنه مبني على بيان، وذلك أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، والسؤال معادٌ في الجواب، فيكون قوله: (قولوا) من باب البيان.
ألا ترى لو أن إنساناً قال لعالم: كيف أصلي ركعتين نافلة؟ فقال له: قم وافعل كذا وكذا وكذا، فإننا لا نقول: إن هذا لازم عليه.
وإنما يكون من باب البيان المرتب على السؤال الذي لا يقتضي الإلزام، وإنما يكون إلزاماً أن يقول عليه الصلاة والسلام: إذا صليتم فصلوا علي.
وأيضاً فإن حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه الذي فيه التعليم لصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه دليل على تخصيصه بالصلاة.
وبناءً على ذلك فإننا لو سلمنا أن دلالة: (قولوا) للوجوب، فإننا نقول: إن هذا على سبيل العموم، ومسألتنا على سبيل الخصوص، وإذا كان الدليل أعم من موضع النزاع فإنه لا يقوى على إفادة المراد.
وبناءً على هذا، فالذي يترجح -والعلم عند الله- أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست بركن، بمعنى أن من تركها لا تبطل صلاته، ولكن لا شك أن الأكمل والأحرى والأولى بالمصلي أن لا يسلم إلا وقد صلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم.