للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[السارق من مال أبيه والعكس]

قال رحمه الله: [فلا يقطع بالسرقة من مال أبيه وإن علا].

يعني: لو سرق الابن من مال أبيه فإنه لا تقطع يد الابن، ولو سرق الابن من مال جده وإن علا لم تقطع يده، والعكس: لو سرق الأب من مال ابنه، أو سرقت الأم من مال بنتها، أو سرقت الأم من مال حفيدتها، أو الأب من مال حفيده، فإنه لا يثبت القطع، وهذه الشبهة هي شبهة البعضية، والمراد بالبعضية: أن السارق يكون بعضاً من المسروق منه، أو يكون المسروق منه بعضاً من السارق، ومعنى ذلك: أن الولد قطعة من والده، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما فاطمة بضعة مني)، وهذا في صحيح البخاري، فقال: (بضعة مني)، فكأنها قطعة منه عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت منه عليه الصلاة والسلام صارت هي وهو كالشيء الواحد، فإذا سرق الولد من والده كأنه أخذ من ماله.

وجاءت السنة تؤكد هذا فيما رواه ابن ماجة وغيره -وصححه غير واحد من العلماء- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم)، فجعل الوالد له يد على مال ولده، وإذا كانت له يدٌ على مال ولده فإنه حينئذٍ لا يقطع؛ لأنه لم يسرق، فكأنه أخذ من ماله؛ ولهذا جماهير الأئمة -حتى حُكي الإجماع في هذه المسألة- على أنه لا يقطع والد من مال ولده، ولا مولود من مال والده.

هذا الحكم عند العلماء والأئمة رحمهم الله عام وشامل للأصل مع فرعه وللفرع مع أصله، وعلى هذا نحكم بسقوط الحد إذا سرق الابن من مال أبيه وجده وإن علا، وإذا سرق من مال أبيه الذي تمحض بالذكور كجده من جهة أبيه أو جده من جهة أمه كأبي أمه، فلو سرق من مال جده لأمه لم يثبت الحد، وكذلك أيضاً لو ثبت أن السرقة من الوالد لولده فإنه يستوي في ذلك الأب مع الأم، فيستوي الذكور والإناث من الولد والوالد.

قال رحمه الله: [ولا من مال ولده وإن سفل].

هذا هو العكس، فهو أثبت أن الوالد لا يقطع بولده، وأيضاً الولد لا يقطع من مال ولده، والأصل في هذا السنة كما بينا، وهذه يسميها العلماء شبهة البعضية، ويستوي الذكر والأنثى في الآباء والأمهات، ويستوي الذكر والأنثى في الأولاد، ويستوي القريب والبعيد، فالأب المباشر والأب بواسطة، والابن المباشر والابن بواسطة وهو الذي يسمى بالحفيد.

قال رحمه الله: [والأب والأم في هذا سواء، ويُقطع الأخ].

ويقطع الأخ إذا سرق من مال أخيه؛ لأنه لا شبهة بين الأخ وأخيه، ولذلك تصح الزكاة على الأخ، ويجوز أن يدفع زكاته لأخيه؛ لأنه ليست هناك شبهة بعضية، ومن هنا قسّم العلماء القرابة في السرقة أو شبهة السرقة إلى قسمين: القسم الأول: قرابة مؤثرة، مثل: قرابة البعضية في الوالد والولد.

القسم الثاني: قرابة غير مؤثرة، وهي قرابة الأخ مع أخيه، مثل سرقة الأخت من مال أخيها، والأخ من مال أخته.

قال رحمه الله: [وكل قريب بسرقة من مال قريبه].

وكل قريب يُقطع إذا سرق من مال قريبه، والدليل على ذلك: عموم قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:٣٨]، فأمرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن نقطع يد كل سارق سواءً كان قريباً أو غريباً، فلما جاءت السنة تستثني الوالد مع ولده والولد مع والده، أبقينا الحكم على العموم، واستثنينا ما استثنته السنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>