ويحرم قطع الشجر، أي: بمكة وداخل حدودها، والشجر له حالتان: الحالة الأولى: أن يكون نابتاً من الله عز وجل بدون أن يكون هناك فعل للآدمي، فهذا لا يجوز لأحد أن يقطعه، ولكن استثنى بعض العلماء وجود الضرورة، فإذا كانت ضرورة متعلقة بالكافة كمرور الناس في الطريق وهذه شجرة شوك ستسقط عليهم وتؤذيهم، قالوا: يجوز قطعها كما قطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدوحة بالمطاف.
وقال بعض العلماء: إذا قطعت مع وجود الحاجة والضرورة لزم الجزاء فيها، وهو قضاء ابن عباس رضي الله عنهما، كما سيأتي إن شاء الله بيانه.
وعلى هذا فإن الشجر الذي نبت وأنبته الله عز وجل وليس للآدمي فيه دخل فإنه لا يجوز قطعه، وأما إذا انكسر من نفسه وسقط فهذا شيء آخر، فإذا انكسر الغصن أو سقط، أو أن الشجرة يبست وسقطت من نفسها، أو اقتلعتها الريح ويبست، فحينئذٍ قالوا: يجوز أن يحتطب منها، ويجوز أن ينتفع منها، ولا حرج في ذلك، كالحشيش اليابس؛ لأن هذا ليس بعضد، فهو لم يعضدها، وحينئذٍ يجوز له أن ينتفع ويرتفق بها.
أما إذا كان الشجر قد أنبته الإنسان كأن يزرع في بيته زرعاً ثم يريد جزّه وقصه أو عضده فلا حرج عليه أن يفعل ذلك إذا كان مما أنبته أو يكون اشتراه من رجل زرعه فصار في ملكه، فإن يجوز له حينئذٍ أن يحش، ويجوز له أن يقص، ولا حرج عليه في ذلك.
وقوله:[وحشيشه الأخضرين].
والحشيش ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: إما أن يكون أخضر، كالمراعي النابتة، وذلك حين ينزل مطر أو تصيب السماء فينبت الرعي في مكة فهذا لا يحشّ، لكن لو كان عندك إبل أو بقر أو غنم ورعت فيه فلا حرج، فهناك فرق بين أن ترعاه البهيمة وبين أن تحش بنفسك، ولذلك كان للصحابة رضوان الله عليهم إبلهم ودوابهم حينما قدم عليه الصلاة والسلام مكة ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكمموا أفواهها، ولم يحرم عليهم أن ترعى هذه الإبل داخل مكة، وإنما جعل التحريم من فعل المكلف، فدل على أنه يجوز أن يرسل إبله أو بقره أو غنمه للرعي، ولا حرج عليه في ذلك، وهذا إذا كان الحشيش أخضر.
أما إذا كان الحشيش يابساً فيجوز لك أن تجزّه، وأن تأخذ الهشيم ونحوه، فإنه ليس بحشيش وإنما هو هشيم تذروه الرياح إن لم تأخذه أنت، وحينئذٍ يجوز للإنسان أن يأخذه.
وقوله:[إلا الإذخر].
لما خطب الناس كما في حديث أبي شريح رضي الله عنه وأرضاه في حديثه الذي سمعته أذناه، وأبصرت عيناه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تكلم به، ووعاه قلبه حينما قام عليه الصلاة والسلام خطيباً في يوم الفتح فذكر حرمة مكة، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام:(إن هذا البلد قد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)، وفي الرواية الأخرى:(إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم رجعت حرمتها، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يقطع شوكها، ولا ينّفر صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف، قال العباس رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله! إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر) فدل هذا على أن الإذخر يستثنى، ويجوز أن يجزّ، ولا حرج في ذلك.