للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الوصية بمثل نصيب أحد الورثة دون تحديد الوارث]

قال المصنف رحمه الله: [وإن وصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يبين، كان له مثل ما لأقلهم نصيباً].

إذا وصى له بمثل ما لوارثه ولم يبين، فلم يقل: أعطوه مثل ابني أو ابنتي، أو مثل فلان؛ فمن العلماء رحمهم الله من قال: يُعطى مثل أقلهم؛ لأن هذا هو اليقين، وهذا هو الذي عليه كثير من العلماء رحمهم الله، وعليه الفتوى والعمل.

فإذا قال: أعطوه مثل ما للأنثى، وعنده وارث من الذكور يرث سهمين، ووارث من الإناث يرث سهماً واحداً، ففي هذه الحالة نُعطيه مثل ما للأنثى، وتكون المسألة التي قدمناها -في الثلاثة الذكور والأنثى- من ثمانية؛ فيكون للأنثى الثمن، وللثلاثة الذكور لكل واحد منهم ثمنان.

فإذا كانوا ثلاثة فلهم ستة والأنثى معهم السابعة، فتكون المسألة من سبعة، من حيث الأصل، فعندما قال: أعطوا فلاناً مثل ما لوارثي، ولم يبيِّن، فحينئذٍ نعدل به إلى الأنثى، وإذا عدلنا به إلى الأنثى فمعناه: أنه سيأخذ مثل الأنثى، وإذا أخذ مثل الأنثى فمعناه: أن له سهماً واحداً، فبدلاً من أن تكون المسألة من سبعة ستكون من ثمانية، فيكون لكل ذكر سهمان من ثمانية، وهما الثمنان، فتكون ستة أثمان للذكور، ويبقى الباقي -وهو الثمنان- منقسماً بين البنت وبين هذا الأجنبي، هذا إذا لم يُسَمِّ.

ولماذا قال العلماء بالأقل؟ هناك عند العلماء قاعدة تقول: (اليقين لا يُزال بالشك)، وهذه القاعدة تفرّعت عليها من المسائل ما لا يحصى كثرة، ولذلك اعتبرها الأئمة رحمهم الله من أمهات القواعد الفقهية الخمس المشهورة، فيقولون: إذا قال: أعطوه مثل ما لوارثي، فعندنا وارث ينال الأقل، ووارث ينال الأكثر، فإذا أعطيناه الأقل فلا نشك أنه ينال هذا الحظ الذي هو السهم، ولكن نشك في السهم الزائد، والأصل أنه ليس له حق في التركة؛ لأنه أجنبي، فنبقى على اليقين، ولا نعطيه ما زاد عن هذا النصيب الأقل حتى يَنُص صاحب المال على أنه يزاد له في حظه.

هذا هو السبب في أننا نعطيه الأقل؛ لأنه اليقين، وقد ثبت بيقين أنه يأخذ هذا السهم، وما زاد عنه باقٍ على الأصل، وهو أنه لا حظ له حتى يدل الدليل؛ لأنه لو أراد أن يعطيه أكثر لقال: أعطوه مثل فلان، فلما قال: أعطوه مثل ما لوارثي؛ أَلست إذا أعطيته مثل نصيب البنت تكون قد أعطيته نصيب وارث؟ بلى، فالبنت وارثة، فإذا كانت البنت ترث، ووصف الإرث متعلق بها؛ فإنك إذا أعطيته مثل نصيب الأقل فقد أعطيته نصيب الوارث، وهذا مذهب طائفة من العلماء كما ذكرنا، وهو الذي عليه العمل والفتوى؛ لصحة دلالة قواعد الشريعة عليه.

لكن في الحقيقة يبقى الإشكال: وهو أن أحد مشايخنا رحمة الله عليه أورد مسألة لطيفة وهي: إذا قال: أعطوه مثل نصيب وارثي، وكان أبناؤه كلهم ذكوراً، وزوجته حامل، فلما توفي وضعت أنثى، فالوارث في الأصل هم الذكور، فكان المفروض أنه يدخل معهم بنصيب أفضل، لكن وضعت الأم بنتاً وماتت الأم، فإن نصيب البنت سيكون الأقل، والواقع أننا نعطيه مثلما نعطي الإناث؛ لأنه بعد الموت -والوصية مضافة لما بعد الموت- يصدُق وصف الإرث على الأنثى كما يصدق على الذكر، ولذلك تسري نفس القاعدة الأولى، وهذه من بعض الإشكالات التي يورِدها بعض العلماء.

وهناك من يقول: يُعطى مثل الذكر؛ لأنه وإن لم يُسم الذكر فقد عُلِم من دلالة الحال أنه يريد الوارث الذكر، ولكن هذا لا يخلو من نظر؛ لمسائل نظيرة لهذه المسائل يفتي فيها حتى العلماء الذين يقولون بأنه يكون له مثل نصيب الوارث مع كونه أقل، وعلى هذا فإنه يأخذ نصيب الأقل بكل حال.

وقوله: [وإن وصَّى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يبين؛ كان له مثل ما لأقلهم نصيباً، فمع ابن وبنت ربع].

فالابن له سهمان، والبنت لها سهم واحد، ففي هذه الحالة تصبح المسألة من ثلاثة، فإذا أَعطيت الابن السهمين وأعطيت البنت سهماً، فقد أعطيت الذكر مثل حظ الأنثيين، فتصبح المسألة من ثلاثة.

وفي هذه الحالة إذا قال صاحب الورث: أعطوا محمداً مثل ما لوارثي، فإذا كان عنده ابن وبنت، فالابن له اثنان، والبنت لها واحد، فتصبح المسألة من أربعة، فالبنت لها سهم واحد، والأجنبي له سهم واحد؛ لأنه هو السهم الأقل، والابن الذكر له سهمان، فتصبح المسألة من أربعة، ويُقسم المال بينهما، لكلٍ من الأجنبي والبنت الربع، وللابن الذكر نصف المال الذي هو الربعان.

وقوله: [ومع زوجة وابن تسع].

لأن المسألة في الأصل من ثمانية، فالزوجة لها الثمن واحد، والابن له سبعة أثمان؛ لأن الابن عصبة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)، فالابن عصبة، ودائماً إذا اجتمع صاحب فرضٍ وصاحب تعصيب وليس هناك غيرهما، فصاحب الفرض يأخذ فرضه، وتصح المسألة من نفس المقام الذي للفرض، ثم تُعطِي الباقي للعصبة، فالزوجة تأخذ الثمن لوجود الابن، فيبقى سبعة أثمان تَصرِفها إلى الابن الذكر.

فلما قال: أعطوا مثلما لوارثي، فالزوجة وارثة، فنعطيه مثل الحظ الأقل وهو الثمن، فيكون له سهم واحد، فتعول المسألة، فبدلاً من أن كانت من ثمانية فتصبح المسألة من تسعة، فيكون له التُّسع وللزوجة التُّسع، وسبعة أتساع للابن الذكر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>