للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الخلاف في ساعة الإجابة يوم الجمعة]

السؤال

ما هو الراجح في ساعة الإجابة يوم الجمعة؟ وما هو عمل السلف في تلك الساعة؟

الجواب

لا إله إلا الله! والله لو جلسنا إلى طلوع الفجر ما استطعنا أن نحصر عمل السلف في تلك الساعة، يا إخوان: أشفقوا على من يجيبكم، لا تسألوا المسائل العظيمة، البعض يسأل السؤال ما يدري ما وراءه، هذه مسئولية، والله ما سئل العبد سؤالاً إلا وقف بين يدي الله يُسأل عن كل كلمة قالها، ليست المسائل والفتاوى هكذا! كان بعض السلف -رحمه الله- يجثو على ركبتيه، ويحذر من يسأله، ويقول له: إنما هي الجنة والنار، فأشفق علي، يعني: إما أن أجيبك؛ فأدخل الجنة، وإما أن أجيبك؛ فأدخل النار.

فليشفق عليَّ السائل، أريد أن السائل إذا سأل عليه أن ينتبه، وأن يعلم أننا بشر لنا حدود، ولنا قدر من العلم: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:٧٦].

أما ساعة الإجابة: فهذا أمر فيه أكثر من أربعين قولاً، ولو كانت ساعات الجمعة مائة ساعة ربما كان تجد فيها مائة قول؛ لأن كل وقت محتمل، والذي يظهر: أن الله عز وجل أخفاها لحكم عظيمة، منها: أنه لو كشفها الله لتسلط الناس بعضهم على بعض، فآذى القوي الضعيف، وآذى السفهاء الصلحاء، وحصل من ذلك من الشر والبلاء ما الله به عليم، لكن الحمد لله الذي لطف بعباده.

ولو علمها كل الناس، لربما تسلطوا بها على الشهوات، والهلكات؛ فأهلكتهم، وأفسدت عليهم دينهم، ودنياهم، وآخرتهم، فيصير أهل الشهوات يطلبون هذه الساعة؛ لشهوة من شهوات النفوس التي لا تحمد عقباها، فتكون متاعاً عاجلاً، وتبعة ومسئولية في الآخرة.

وأقرب الأقوال وأقواها: أنها ما بين طلوع الشمس، وجلوس الخطيب، ثم في هذا الوقت أقوال، فبعضهم يختار أنها ساعة الغفلة؛ وهي حمية الضحى؛ لأن الناس في إقبال على الدنيا، والعبد إذا ترك البيع والشراء في الضحى، ومضى إلى المسجد صار مبكراً للجمعة، ويحصل له فضيلة اليوم على أتم وجوهها، وبعض العلماء يختار أنها أول النهار، وبعضهم يجعلها قبل الزوال بشيء يسير، وقيل: إنها بعد الزوال مباشرة؛ وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح).

وقيل: إنها من طلوع الخطيب إلى انقضاء الصلاة، وهذا ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنها ساعة قليلة، وطلوع الخطيب إلى انقضاء الصلاة هذا يأخذ وقتاً طويلاً.

وليس المراد بالساعة ستين دقيقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار بيده يتقالها، يعني: أنها لحظات يسيرة، لذلك من الصعوبة بمكان أن نقول: إنها من طلوع الخطيب إلى انقضاء الصلاة.

وقيل: إنها الساعة التي يجلس فيه الخطيب بين الخطبتين.

وقيل: إنها من ابتداء الصلاة إلى انتهاء الصلاة، وقيل: وقت التشهد.

وقيل: إنها في الساعة الأخيرة من يوم الجمعة، لكن هذا مشكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي) فذلك يقتضي أن الوقت وقت صلاة، وما بعد العصر ليس وقت صلاة، خاصة عند الغروب، وأجيب عن ذلك بأنه إذا جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، وهذا محل نظر؛ لأنه قال: (قائم يصلي) إلا أن يكون اسم الفاعل المراد به اسم المفعول، أي: أنه مقيم على حالة يكون فيها في حكم المصلي، وحينئذ يتجه أن يكون من بعد صلاة العصر يوم الجمعة يجلس في مصلاه إلى أن تغرب الشمس، فيسأل الله حاجته.

وعليك أخي المسلم أن تصلح ما بينك وبين الله، ومن أصلح ما بينه وبين الله، وملأ قلبه بالخوف والرجاء؛ وصدق اللجوء إلى الله، وفقه الله وسدده.

ومن أراد أن يكون مجاب الدعوة؛ فليطب مطعمه، وليستفتح بتوحيد الله، والثناء على الله، وليكثر من النوافل، فإنه ما أكثر عبد من النوافل إلا أحبه الله، وإذا أحبه أعطاه سؤله، كما قال تعالى في الحديث القدسي: (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)، فهنيئاً ثم هنيئاً لمن وفقه الله للخيرات، وفعل الطاعات، حتى أصبح مجاب الدعوات.

نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم من واسع فضله وهو أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>