[الصفات الواجب توفرها في ناظر الوقف]
السؤال
ما هي صفات الناظر التي ينبغي أن يتصف بها؟
الجواب
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: صفات الناظر تنقسم إلى قسمين، القسم الأول: أن يحدد الواقف صفات معينة، فيجب التقيّد بها على شرط الواقف، قال مثلاً: وأشترط أن يكون الناظر من ذريتي، وأن يكون أَرشد الذرية، أو يكون أفقههم، أو يكون أحفظهم لكتاب الله، أو أعلمهم بالسنة، فإذا اشترط فيه شروطاً، فنتقيّد بهذه الشروط، ويُلزم من يلي هذا الوقف -القاضي وغيره- أن يبحث عمن تتوفر فيه هذه الصفات، فهي صفات مقيدة من الواقف نفسه.
فإذاً: هذه الصفات يُزاد فيها وينقص منها على حسب اشتراط الواقف، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أوقف جعل النظارة لبنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها من بعده، فولي نظارة وقفه -بستانه بخيبر- في حياته، ثم صرف الوقفية من بعده إلى بنته، فهذا الصرف لم يشترط فيه ذكورة لأنها أنثى، وقيدها من بعده -لما صرف النظار من بعده إلى بنته- بشخصٍ معين، فيجب التقيُّد، وهذا عمل من أعمال السلف، وسنة راشدة من فعل عمر رضي الله عنه، وأخذ العلماء منها دليلاً على أن الواقف إذا اشترط شروطاً في الناظر يجب العمل بها، ولا تسلم النظارة إلا لمن توفرت فيه هذه الشروط.
أما إذا أطلق وقال: أوقفت هذه الدار للمساكين والفقراء، ولم يتكلم عن الناظر بأنه من ذريته أو من غيره، فحينئذ فالأصل حينئذ أن تكون النظارة للموقوف عليهم، وقد بيّنا أن نظارة الأوقاف للأشخاص الموقوف عليهم ما لم يكونوا جهات لا يمكن حصرها بحيث يتولون النظارة على الوقف.
ففي هذه الحالة إذا اشتجروا ونظر القاضي أن يكون الوقف عند بعضهم دون البعض، فيمكن أن يقيدها القاضي ببعضهم دون بعض، وتعتبر مسائل تعيين الناظر في الأوقاف من مهمة القاضي، ولذلك ذكر العلماء رحمهم الله في كتاب أدب القضاء أن القاضي إذا عُين في مكان فأول ما يبحث في الأوقاف، وينظر في النُّظَّار الذين عُيِّنوا ومن الذي يستحق أن يبقى في نظارته؟ لأنه ربما كان مستحقاً في أيام القاضي الأول، لكنه لا يستحق في أيام القاضي الثاني، فتجد مثلاً في كتاب أدب القاضي للإمام الماوردي، وكذلك أدب القاضي للصدر الشهيد الخصاف مع شرحه، أدب القاضي للسمناني، ونحوها من كتب القضاء كتبصرة الحكام لـ ابن فرحون ذكروا أن مسألة نُظَّار الأوقاف راجعة إلى القاضي، والقاضي ينظر إلى الأصلح فالأصلح.
ولا شك أنه لا بد أن يكون عدلاً مأموناً في دينه بحيث لا يكون معروفاً بالخيانة، ولا يكون معروفاً بالكذب، يكون ممن عرف بأمانته وديانته بعيداً عن الشدة في الوقف؛ لأن البعض يكون شديداً معروفاً بالبخل، فهذا البخل يضر الضعفاء، ويضر الفقراء، ولربما إذا جاء يصرف أموال الوقف أجحف بهم، ولا يكون عنيفاً يسب الناس ويشتمهم، فإذا كان الوقف على أيتام وأرامل وضعفة ربما نفَّرهم من الوقف، ونفّرهم من الوصول إلى حقوقهم.
ولا يكون معروفاً بالمماطلة والتسويف؛ لأن هذا يُؤخِّر عن أهل الحقوق حقوقهم، ولا يكون ضعيفاً بحيث إذا جاءت مصالح الوقف لا يستطيع أن يدافع عن الوقف، ولا أن ينتزع حقوق الوقف فيما إذا اعتدي على الوقف.
ولذلك كان عمر رضي الله عنه يشتكي إلى الله ويقول: اللهم إني أشتكي إليك ضعف الأمين وقوة الخائن.
يعني إذا ولّيت إنساناً أميناً يكون ضعيفاً ومتساهلاً مع الناس، فكان يبعثهم من أجل جبي الزكاة، فالأمين المحافظ إذا ذهب وجاء أحد يشتكي له أَخَّر وسوّف، فتعطلت مصالح بيت المال، لكن إذا عين الشديد الذي ينتزع الأمور، ويحافظ على أخذها كاملة قد يكون خائناً.
فقال: أشكو إلى الله ضعف الأمين وقوة الخائن.
ما يكون قوي إلا عنده نوع من التلاعب، وهذه من حكم الله سبحانه وتعالى، فلا كمال إلا له سبحانه وتعالى.
فالشاهد من هذا أن تعيين النظار مما يوكل أمره إلى القاضي، فهو الذي ينظر إلى صلاحه في دينه، وصلاحه في أمانته، ولا يقف الأمر على قضية العدالة والأمانة؛ لأن الوقف قد يحتاج إلى قوة الشخصية، قد تجد شخصاً قوياً، والوقف في أوضاع يفتقر فيها إلى مثل هذا الشخص، أو قد تجد شخصاً عملياً والوقف متهدم يحتاج إلى من يبنيه ويشيده.
هذه الأمور كلها ترجع إلى دقة نظر القاضي وحكمته، وبُعد نظره وحسن تصرفه، ولا شك أن القاضي الناصح لا يزال له معه من الله معين وظهير يسدده بإذن الله، ويوفقه، ويعينه على حسن الاختيار في مثل هذا، والله تعالى أعلم.