هذه مسألة خلافية: هل يحكم القاضي على الغائب أو لا يحكم عليه، فمن قال: بأنه يحكم عليه؟ يحتج بحديث هند رضي الله عنها وأرضاها، أنها قالت:(يا رسول الله! إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ مسيك، أفآخذ من ماله؟ قال: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وهو غائب.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذا الحديث: هل هو فتوى أو قضاء، فإذا قلنا: إنه قضاء فهو حجة على جواز حكم القاضي على الغائب، والذين يقولون بعدم جوازه يقولون: هذه فتوى، فالنبي صلى الله عليه وسلم تارةً يكون مفتيا وتارة يكون قاضيا وتارة يتصرف بالرسالة، وهذا ما يعرف بشخصيات الرسول، ومن أنفس الكتب التي كتبت في ذلك كتاب الإمام القرافي رحمه الله: الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام وبيان تصرفات القاضي والإمام، وقد ذكر فيه هذا الحديث وخلاف العلماء فيه.
[وإن ادعى على حاضر بالبلد غائب عن مجلس الحكم وأتى ببينة لم تسمع الدعوى ولا البينة].
إلا بعد طلب الخصم، لكي يجيب عنها ويقف معه ويخاصمه؛ لأنه يمكن حضوره، وحينئذٍ لا يحكم عليه -وهو في نفس المدينة حاضر- إلا إذا امتنع من الحضور وأصر وتخفى، فهذه مسألة مستثناة ولها ضوابطها عند العلماء، وقد أفتى غير واحد من أهل العلم بجواز القضاء عليه.