[جواز التعزية بالعناق والمصافحة]
السؤال
ما السنة في التعزية، هل هي بالمصافحة، أو المعانقة، أو بوضع اليد على الكتف، أثابكم الله؟
الجواب
التعزية تكون بالمصافحة، وتكون بالمعانقة، لورود السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمصافحة هي الأصل، وذلك بأن تصافح أخاك وتسلم عليه ثم تعزيه.
والمعانقة تكون من الرحمة، ولذلك قرر الأئمة رحمهم الله أن العناق ينظر في سببه، فإذا وجد له سبب فهو مشروع، وإذا لم يوجد له سبب فهو ممنوع، ومن هنا قرر الإمام البغوي رحمه الله في شرح السنة: أن العناق يجوز عند حصول فرح، كأن تهنئ أخاك المسلم فتضمه إليك وتعانقه، فرحاً بنعمة الله عز وجل وخاصة نعمة الدين والطاعة، ويكون أيضاً عند الحزن تضمه إليك من أجل أن تشعره بأخوتك بقوته، وتطفئ ما في قلبه، ويكون أيضاً عند السفر إذا أراد أن يسافر تلتزمه وتعانقه، وإذا قدم من سفر، وقال: على ذلك جرت السنة.
أما حديث: (لا عناق إلا من سفر) أولاً: فيه ضعف، وثانياً: حسن بالطرق لكن المحققون من أهل الحديث ذكروا أن هناك اختلافاً في الألفاظ يؤثر في التحسين، وكان بعض مشايخنا رحمة الله عليهم يستشكل هذا.
وأجيب عن ذلك بأن هذا الحديث لا يعارض ما هو أصح منه، لأن قوله: (لا عناق إلا من سفر) جاء من باب أن الشريعة قد تطالب بالكمال، فالمعنى أن أكمل ما يكون العناق من سفر، وهذا موجود في الشريعة، كقوله عليه الصلاة والسلام: (لا ربا إلا في النسيئة) وليس المقصود بأن ربا الفضل جائز، وهنا ليس المعنى أن غير العناق من السفر محرم، وكقوله: (الحج عرفة) والمراد المبالغة في الشيء، وهذا واضح.
ويدل لهذا ما في الصحيحين من قصة كعب بن مالك رضي الله عنه: أنه لما نزلت توبته وجاء بعد صلاة الفجرة ودخل المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقام لي أبو طلحة فالتزمني فحفظت له هذا، وهذا يدل على مشروعية العناق عند وجود الموجب والسبب.
ومثل القيام للداخل والزائر، كلها إذا وجد السبب فلا بأس فيه ولا حرج.
وهذه الأمور بعض الأحيان تأتي عفوية بدون أن يكون الإنسان قاصداً أن العناق لمعنى أو اعتقاد، ولذلك تجد في بعض الأحيان أنك لا ترى أخاً أو قريباً لا قدر الله أصابه كربة أو نكبة إلا وتضمه إليك، فأنت لا تستطيع أن تملك نفسك، فهذا شيء ينبعث من النفوس من أسباب الرحمة، والفرح والحزن، لكن يحذر مما كان فيه غلو أو تكلف الشخص يعانق وبعد عشر دقائق يأتي يعانق مرة ثانية، يعانق أول النهار ثم يأتي آخر النهار ويعانق، حتى تكون كالشغل، فهذا التكلف والمبالغة لا أصل له؛ لأنها تحظر ويمنع منها، أما عند وجود السبب الموجب فلا بأس أن تضم أخاك إلى صدرك.
أما وضع اليد على الكتف: فاختلف فيه العلماء رحمهم الله، ومن مشايخنا المتأخرين وغيرهم من يراه بدعة؛ لأن الأصل المصافحة والعناق، وبعض مشايخنا رحمة الله عليه يفصل فيه ويقول: إن لمس الكتف إذا كان أثناء الحزن إذا رأيت أخاك اشتد بكاؤه وعظم، فأمسكت بكتفه تصبره أو تثبته فلا بأس به، أما الذي يحدث من الوقوف وكل واحد يمر ويمسك كتف الثاني فهذا لا أصل له عند الكل.
لكن إذا كان واقفاً على القبر ووجدته حزيناً، فتمسك بعضده أو بساعده تذكره؛ لأنك بالقرص والمسك كأنك تذكره بالصبر، وتذكره أن يتعزى ويتجلد، وفي بعض الأحيان قد تكون يده في يدك فتضغط عليها، هذه الأشياء يراد بها التنبيه فقط.
أما الذي يفعل من الوقوف فيأتي يمسك كتف هذا ثم كتف هذا، فلا له أصل، ماذا يفعل بالكتف، المصافحة فيها فضيلة المصافحة، ومعناها الشرعي، ولها أصل في السنة، وتتحات بها الخطايا، فهذا هو المنضبط، والحرص على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه خير، وكذلك ترك هذه الأمور التي لا يسمح بكونها أموراً في شرع الله عز وجل، وإنما يجارون بها عاداتهم وتقاليدهم.
وانظر إلى الأمر العجيب الغريب؛ فلو جئت إلى قوم يمسكون ويعزون بالأكتاف وقلت لهم: لا تفعلوا هذا.
أنكروا عليك، فهذا يزيدها بدعة، لأن التشبث والتمسك بها والإصرار عليها يجعلها كالسنة، وكالأمر المعتقد فيه، وهذا ما يسميه العلماء بدلالة الحال؛ لأن الشخص في بعض الأحيان يأتي بدلالة الحال، وإن لم يقل: أنا أعتقد أنها سنة، لكن الإصرار والحرص عليها، وأنه لا يمكن أن يتركها؛ لا شك أنه يشكك في أمره.
أما إذا كان واقفاً مع أخيه على القبر وتوفي والده أو قريبه، ثم أراد أن يسليه فأمسك بيده، أو رأى أن الحزن قد اشتد به، فشده كأنه يذكره بالله عز وجل، ويذكره بالصبر عند المصيبة، فهذا الإمساك لا بأس به ولا حرج، والله تعالى أعلم.