للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نفقة الخدم والسائقين وحقوقهم]

السؤال

هل الخدم والسائقون والخادمات لهم من النفقة والحقوق مثل ما للأرقاء، وبماذا يوصى في التعامل معهم، أثابكم الله؟

الجواب

ليس للخدم حقوق الأرقاء؛ لأنهم ليسوا بملك اليمين، فهم أحرار ولا يثبت لهم ما يثبت لملك اليمين، ملك اليمين له حقه، والخادم حقه يندرج تحت أصل يسمى بحق الأجير، هذه إجارة وهذه ملك يمين، هذا باب له أحكامه، وهذا باب له أحكامه.

الخدم يوصى بتقوى الله عز وجل فيه، وأول ما يفكر فيه المسئول عنهم أن يكفهم عما حرم الله، وأن يحملهم على طاعة الله عز وجل، وأن لا يفكر في مصلحته ومصلحة أهله وولده قبل أن يفكر في هذا الأمر، وليعلم أنه ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وأنها عورة من عورات المسلمين وضعت أمانة في رقبته، فإذا اتقى الله عز وجل فيها فقد نجح وأفلح وصلح له أمره، وبارك الله له فيما يكون منها.

وإن ضيق فالله محاسبه وسائله، خاصة إذا كانت خادمة، فأمرها عظيم، فيرى أنها كواحدة من بناته أو أخواته، وأنها عرض من أعراض المسلمين، وأن كونها أجيرة لا يسقط حقها خاصة إذا كانت مسلمة؛ فعليه أن يتقي الله عز وجل فيها، وأن يحفظها ويصونها، ولا يفتح لها أبواب الشر، وإذا فتحت عليها أبواب الشر قفلها عنها كما يقفلها عن عرضه؛ لأن المسلم مؤتمن على عرض أخيه المسلم، فما بالك إذا كانت أجيرة عنده؛ فإن نصوص الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم توصي بالجار، فما بالك بالأجير الذي هو تحت كفالة الإنسان! فالواجب أولاً: حق الله عز وجل، بأن تتفقد الخدم في الصلوات الخمس، وأمرهم بها ومتابعتهم في ذلك ومراقبتهم؛ لأنهم إذا صلوا استقامت لهم أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم، وإذا لم يكونوا مصلين محقت البركة، فما من إنسان لا يصلي إلا كان شؤماً على من كان معه، نسأل الله السلامة والعافية.

فيتفقدهم في الصلاة، وفي أخلاقياتهم ومحافظتهم على أمور دينهم، فيأمرهم بما أمر الله، وينهاهم عما نهى الله عز وجل عنه، بعد هذا يفكر في مصالحه الدنيوية، ويحدد ماذا لهم وماذا عليهم، فإذا وجد أنهم يحملون ما لا يطيقون، فإنه يوصي زوجته وبناته وأهله أن يتقوا الله عز وجل في الخادمة ويحفظوا ألسنتهم عن أذيتها وسبها وشتمها، ويذكرهم بأنها غائبة عن أهلها، وأنها غريبة عندهم كالضيف، فيحرص الناس على الإحسان إليها، فإنك إن رحمتها رحمك الله كما رحمتها، فالراحمون يرحمهم الله ارحموا عزيز قوم قد ذل، فقد تكون عزيزة في أهلها فاضطرتها الأمور والظروف أن تتغرب، فيحرص كل الحرص على أن يهيئ لها بين أهله وولده من يحفظ حقها، وأهم شيء الرحمة؛ فإن الرحمة إذا سكنت في القلوب أصلح الله بها القوالب، ومن كان قاسي القلب فهو بعيد عن الله عز وجل، لا يَرحم ولا يُرحم، ولما قال الأقرع للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت أحداً منهم قال: (أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك)، فالإنسان ينبغي أن يحرص على سكون الرحمة في قلبه.

وعليه أيضاً أن يتقي الله عز وجل في الحقوق في الأجرة، يعطيها أجرتها عند نهاية العمل، ولا يؤخر الراتب، ومن أعظم الظلم تأخير الرواتب عن العمال والمستخدمين؛ لأنهم في أمس الحاجة إلى هذه الرواتب، وقد يحتاجها لعلاج مريض، أو لسداد ديون، وقد يأتي بعضهم تحت وطأة الديون، وهو أحوج ما يكون إلى أن يفك أسره منها، وقد يكون بيته ومتاعه مرهوناً في بلده؛ هذا كله ينبغي أن يحس بها الإنسان ويستشعرها ويتقي الله عز وجل.

وهذا حقه وهذه أجرته، وإذا جاءه يعطيه الأجرة فلا يعنته ولا يؤذيه، لا تعطيه الأجرة بطريقة يذل بها، ولا تحيله على مكان يذهب يأخذ منه راتبه أو أجرته، لأنه ليس من حقك هذا، فيذهب في الشمس والحر ليقف مع الناس، وهذا ليس من حق أحد في أجور الناس وحقوقهم؛ لأن الأجير يعطى أجره، فكما أنه وفى لك في عملك وأعطاك عملك فعليك أن تعطيه أجرة عمله، وتتقي الله عز وجل، وهذه من حقوق العامل مطلقاً.

كذلك أيضاً من حقه عدم تعريضه للخطر والضرر كما تقدم معنا في ملك اليمين، فالأعمال التي فيها خطورة عليه في نفسه وبدنه يحفظهم منها سواء كان خادماً أو خادمة.

كذلك أيضاً يحفظ السائقين من مواضع الفتن والريب، ويحجبهم عنها إذا نزلوا في أماكن تكثر فيها الفتن، ويختار أوقاتاً ليس فيها فتن، يتقي الله عز وجل فيهم ويرحم غربتهم، ويحرص كل الحرص على الإحسان إليهم.

كذلك مما يوصى به في حقهم: القبول للمحسنين والتجاوز عن المسيء، فإذا أخطأ في كلمة فقد تكون هذه كلمة خرجت من لسانه دون أن يشعر، فالعامل حينما يكون سائقاً قد يسوق ويرهق إلى ساعات متأخرة من الليل، وهذه زائدة على الاتفاق بينه وبين الأجير، ومقاطع الحقوق عند الشروط، فانظر العقد الذي بينك وبينه ووفه له كاملاً، وإلا كان خصماً لك أمام الله عز وجل، فخير لك أن تلقى الله خفيف الحمل خفيف الظهر.

وكم من إنسان يمسي ويصبح وهو في كرب وهمّ وبلاء وغم في نفسه، لأنه قد ظلم غيره وهو لا يدري، فإن المظلوم إذا رفع كفه على من ظلمه فإنه يؤذنه بدمار والعياذ بالله، والله تعالى يقول: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)، وأجمع العلماء على أن دعوة المظلوم تستجاب على من ظلمه ولو كان المظلوم كافراً؛ لأن الله يقول: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)، فليتق الله الإنسان وليعلم أن هناك عقداً واتفاقاً؛ إذا كان الاتفاق أن يعمل إلى المغرب فإنه ينتهي عمله عند أذان المغرب، فما زاد فإنه يخير هل يريد أن يعمل أو لا، وإذا كان يعمل فتسأله: كم يريد؟ ثم تعطيه أجرته.

كذلك إذا كان يراد لأعمال معينة ينجزها، فإذا أنجز هذه الأعمال، فمن حقه أن يستوفي حقه، وجماع الخير كله في تقوى الله عز وجل، وكما أن رب المال ورب العمل له حق، فكذلك عليه حق للأجير.

وكذلك على الأجير أن يتقي الله في حقوق أصحاب الأعمال، وأن يتقي الله عز وجل في أداء العمل بالنصيحة والشعور بأن ماله كماله، وحينما يكون خادماً في البيت؛ فليعلم أن أسرار البيت أمانة ومسئولية أمام الله عز وجل، والإنسان يعلم خادمه هذا، ويقول: هذه الأسرار أمانة في عنقك، ويعلمه أن فضيحة سر المسلم تؤذي العبد بفضيحة الله عز وجل، فقد تأتي الخادمة وتجلس مع خادمة ثانية تحكي لها جميع ما تراه في البيت، وهذه أمانة ومسئولية أمام الله عز وجل، فلا يجوز للمسلم أن يهتك ستر أخيه المسلم، ولو قال: عندنا بعض الناس يفعل كذا، فيفهم من كلامه أنه يقصد هؤلاء حتى ولو لم يذكرهم، ما دام أنه معلوم أنه لا يعمل إلا عند هؤلاء؛ فطبيعة الحال تظهر أنه يقصد من يعمل عندهم.

ومثل هذا أسرار التجارة، فهناك أسرار للعمل في التجارة لا يفشيها، وهناك أسرار لزوجته وولده من خصومات ونزاعات، فلا يقول: والله فلان يكره ولده، فلان يضرب ولده، فلان يفعل مع أولاده وهم يفعلون، هذه أسرار ينبغي حفظها.

ومن حقوق أصحاب الأعمال على العمال أن يتقوا الله عز وجل ويحفظوا ألسنتهم، وأن لا يفشوا هذه الأسرار؛ لأن المسلم مأمور بالستر على أخيه المسلم؛ لأنه مع أخيه المسلم كالجسد الواحد؛ يحب له ما يحبه لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة؛ ولذلك ينبغي على العمال أن يتقوا الله عز وجل في حقوق أصحاب الأعمال، وأن يؤدوها كاملة.

كذلك من الخيانة أن يتقن العمل حال وجود صاحب العمل، فإذا غاب عنه تساهل في أداء العمل ولم يبال بعمله؛ فإن الله رقيب وحسيب وشهيد، ومراقبة الله لك أعظم من مراقبة المخلوق لك، وإذا نصحت في غيبته سخر الله لك من ينصح لك في غيبتك كما نصحت للناس، والله جل وعلا يجزي المحسن بإحسانه، وجماع الخير كله في تقوى الله عز وجل.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلمنا، وأن يتوب علينا، وأن يتجاوز عنا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>