هل يجوز أن نضع صدقةً جارية للوالد من التركة قبل تقسيمها دون رضا الورثة؟
الجواب
هذه مسألة مهمة، وهي أن بعض الورثة تغلبهم العاطفة ويحدثون في تصرفاتهم بعد وفاة الميت أموراً غير شرعية، ومن ذلك: أنهم يأخذون من المال ويصرفون منه بنية صالحة على سبيل الإحسان إلى الميت، وهذا لا يجوز إلا بإذن الورثة، فالمال للورثة، وينبغي استئذان الورثة، فإذا أذن الجميع وكان الصرف الذي صرفوه مشروعاً وأذن الله به، فإنه لا إشكال في جوازه واعتباره، وتكون عطيةً من الورثة وبراً منهم لوالديهم.
أما أن يأتي شخص ويأخذ من تركة الشخص مالاً ويقول: نعطيه لطلاب العلم، أو للفقراء أو للمساكين، أو ننفقه في بناء المساجد دون استئذان من الورثة، فهذا غير صحيح ولا يلزم مثل هذا، بل يرد المال إلى أهله الورثة ويستأذنون، ولا ينفذ هذا التصرف؛ لأن مالكه الحقيقي لم يأذن به، ولا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيبة نفسه، وإذا وقع شيء بين الورثة باتفاق منهم أن يبنوا مسجداً أو يبروا والدهم شيئاً من البر والخيرات، فهذا من بر الوالدين، ومما يضع الله فيه البركة للورثة في مالهم الموروث من ميتهم ومورثهم.
لكن هنا مسألة نحب أن ننبه عليها وهي: أن بعض الإخوة يحرج أخواته وأقرباءه في الصدقة، فيأتي -مثلاً- عند قسمة المال ويقول: يا إخوان! نريد أن نخرج مائة ألف صدقة عن والدنا، أو نريد أن نخرج كذا وكذا عن والدنا، فحينئذٍ كل من الورثة عندما يقال له مثل ذلك الكلام فإنه يستحي ويجامل، وهذا الحياء والمجاملة يقتضي أنه قد نزع منه المال بدون طيبة نفسٍ منه، فعلى كل أخٍ كبير أو وصي قائم على مال أن يتقي الله عز وجل في حقوق الورثة، والذي أوصي به أن ينظر -أولاً- إلى حال الورثة، فقد تكون هناك الأخت المديونة المعسرة، وقد تكون عندها ظروف في أولادها وأطفالها أحوج من أي صدقة، وصرف هذا المال إليهم أفضل من إعطائه لأي قريب، وترك مال أبيهم وأمهم وجد الأولاد لهم يكون أجره للوالد الذي ترك أعظم من الصدقة للغريب، وهذا أمر لا يدركه الكثير، بمعنى: أن العاطفة تغلب على البعض فيقول: نتصدق به، ولماذا نتركه لأولاده؟ وكأنهم يظنون أن المال لو بقي للأولاد فإنه لا أجر فيه، والصحيح هو العكس، فبقاء المال لإخوانك وأخواتك من والدك ووالدتك أعظم أجراً لهما من الصدقة به لغيرهم؛ لأنه صدقة من الوالد على فلذة كبده وعلى قريبه، وخاصةً إذا كانت أختك معسرة أو محتاجة، أو أولادها بحاجة، أو هناك زوجة محتاجة وتريد أن تتجمل معها، وتريد أن تحسن إليها وتكفيها حاجتها.
فهذا أمرٌ ينبغي التنبه له، وعلى الخطباء والأئمة أن ينبهوا الناس على مثل هذه الأمور، لوقوع مظالم كثيرة وخاصةً في ميراث النساء، فقد يخرجون النساء مع أنه قد يكون عند البنت من الذرية والأطفال والنسل من هو أحوج إلى إرثها؛ فعلى هذا ينبغي التنبيه على أن الواجب على الوصي أو من يقوم على توزيع التركة ألا يحرج إخوانه.
والحل الأمثل: أن يقولوا: إن هذا المال تركه والدنا، ومن أراد منكم أن يتصدق فليتصدق الصدقة الخفية التي هي أقرب للتقوى وأعظم للأجر، فينوي كل شخص بماله ويتصدق به على والده، أو يقول: يا إخواني! هذا مال تركه لكم أبوكم، فلا تنسوا فضل الوالد عليكم فتصدقوا عنه واذكروا والدكم بالصدقة؛ لأنه شُرِع التصدق عن الميت، كما في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا تصدق الابن عن أبيه غيباً دون أن يعلم إخوانه ودون أن يطلعوا على أنه أخرج من مال أبيه مالاً، فهذا أتقى لله وأعظم أجراً، وينبغي تقديم الأقارب على غيرهم، فإن الصدقة عليهم أعظم والثواب فيهم أتم وأكمل، والله تعالى أعلم.