حججت عن والدي وهو رجل مسن مريض ثم شفي من مرضه، فهل ينبغي له أن يحج؟
الجواب
إذا كان المرض الذي أصاب الوالد مما يرجى برؤه فحينئذ لا يستقيم أن يحج عنه، ولا يسقط حج الفرض على هذا الوجه، وأما إذا كان مرضه مما لا يرجى برؤه وشاء الله بقدرته وشفاه، فحينئذ يقع الحلاف المشهور بين العلماء -رحمهم الله- في مثل هذه المسألة، وهي: أن نظن بقاء العذر على المكلف، ثم يزول العذر ويتمكن، فهل يوجب ذلك الرجوع إلى الأصل أو لا يوجبه؟ ولهذه المسألة عدة صور: فتارة يشفى بعد تمام الحج وبراءة الذمة، وتارة يشفى أثناء الحج، وإذا شفي أثناء الحج: إما أن يشفى بعد وقوع أركانه، وإما أن يشفى قبل وقوع الأركان، فهذا كله فيه تفصيل ويتفرع على المسألة التي ذكرناها.
من أهل العلم من قال: إذا كان الظن صحيحاً وكان مرضه لا يرجى برؤه غالباً أو غلب على الظن أنه لا يسلم، وقال: يا بني حج عني، فحججت عنه، قالوا: إن الشرع يجيز هذا الحج لوجود العذر، ثم إذا قام المكلف بالحج عن والده على هذا الوجه، فقد سقطت الفريضة عن الوالد؛ لأن الإذن الشرعي يوجب سقوطها، فإذا سقطت الفريضة وتم الحج وزال العذر بعد تمام الحج فلا وجه أن نطالبه بالحج مرة ثانية.
هذا وجه لبعض العلماء، ويقول: كما أذن له في الأصل؛ فإن هذا الإذن يستلزم صحة الحج وبراءة الذمة.
ومن أهل العلم من قال: القاعدة: (لا عبرة بالظن الذي بان خطؤه)، فهو إذا ظن أن والده لا يشفى ثم شفي فإنه حينئذ يرجع إلى الأصل؛ لأن الأصل أن يحج عن نفسه، وقد رخص الله عز وجل أن يحج الغير عنه إذا عجز، وهذا لم يعجز لأن العجز كان عارضاً ومؤقتاً، كما لو مرض مرضاً مؤقتاً فإنه لا تسقط عنه فريضة الحج ولا يجوز له أن يوكل، ولا شك أن القول ببراءة الذمة من حيث الأصول فيه قوة، لكن إذا كانت البراءة أثناء الحج وكان شفاؤه أثناء الحج فهذا أمر آخر؛ لأن الذين قالوا بأنه تبرأ ذمته اختلفوا: هل العبرة بالابتداء أم العبرة بالانتهاء؟ فمنهم من يقول: إذا وجد العذر عند الابتداء يسقط وله صور.
منها: مسألة ما لو رأى الماء أثناء الصلاة وقد تيمم؛ لأنه ابتدأ لعذر، فيصح له أن يتم ولا يقطع الصلاة.
بناء على هذا لو شفي بعد دخولك في الحج فيتفرع على مسألة زوال العذر أثناء العبادة، فإن قيل في المسألة: التيمم لا يقطع، كذلك هنا: لا يقطع حجه ويتمه، ولا شك أنه في أثناء الحج يختلف الأمر عما لو شفي بعد تمام الحج وبراءة الذمة؛ فإن الخلاف فيه أضعف، والله تعالى أعلم.