للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خلاف العلماء في قتل الحر بالعبد]

قال رحمه الله: [بأن يساويه في الدين والحرية والرق].

أي: يساويه في الدين والحرية، فإذا قتل حرٌ حراً قتل به، وهذا نص القرآن: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة:١٧٨] وهذا يسميه العلماء: مفهوم الحصر، وهو أحد أنواع المفاهيم العشرة المشهورة، وهي: مفهوم الصفة، والشرط، والعلة، واللقب، والاستثناء، والعدد، وظرف الزمان، وظرف المكان، والحصر والغاية.

وقد أشار إليها الناظم بقوله: صف واشترط علل ولقب ثنيا وعد ظرفين وحصر إغيا فلما قال: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة:١٧٨] يعني: اقتلوا الحر بالحر، وأيضاً لا تقتلوا الحر إلا بالحر.

وبناءً على ذلك: لا يقتل الحر بالعبد، وهذا مبني على أن الحر أرفع درجة من العبد، كما بين الله تعالى أن العبد المملوك لا يقدر على شيء، وأن الحر أرفع منه درجة بأصل الإسلام كما ذكرنا: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:١٨].

إذا ثبت هذا فإن الناقص لا يقتل به الكامل؛ لأن ذلك لا يعتبر قصاصاً ولا عدلاً، والشريعة جاءت بالعدل، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:١١٥]، فالشريعة جاءت بالعدل، فالحر لا يقتل بالعبد.

وخالف في هذه المسألة داود الظاهري رحمه الله فقال: الحر يقتل بالعبد، وجماهير السلف والخلف على غير ذلك، وفيه حديث مرفوع عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه لا يقتل حر بعبد)، وحديث السنن عند ابن ماجة وغيره، وحسن بعض العلماء إسناده.

فهذا يدل على أن الأصل ألا يقتل الحر بالعبد، سواء كان العبد مملوكاً كامل الملك، وسواء كان مملوكاً للقاتل، أو كان مملوكاً لغيره، وسواء كان الرق فيه كاملاً كالرقيق الكامل، أو مبعضاً، كما لو كان نصفه حراً ونصفه عبداً، فإنه لا يقتل به إلا إذا كان حراً كامل الحرية.

وعلى هذا فلو قتل العبد العبدَ قتل به: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:١٧٨]، فهذا يدل على أن العبد يقتل بالعبد، وإذا قتل الحر العبد؛ فإنه لا يقتل به، ولكن هل يدفع قيمته أو الدية؟ وجهان للعلماء: قيل: يدفع قيمته بالغاً ما بلغ، وفي بعض الأحيان تكون قيمة العبد أضعاف أضعاف قيمة الدية، مثل أن يكون عبداً عنده صنعة وهو غالي الثمن، فتكون قيمته مثلاً ثلاثمائة ألف، والدية مائة ألف؛ لأنه صاحب صنعة.

فحينئذٍ اختلف العلماء -وسيأتينا إن شاء الله في باب الديات-: هل الرقيق ملحق بالأموال فتقدر قيمته عند الجناية، أو ملحق بالآدمية؛ لأنه في الأصل آدمي، ولا يعامل معاملة الأموال في البيع والشراء بل يبقى على آدميته على الأصل؟ نقول: إن العبد تكون ديته نصف دية الحر، وحينئذٍ تكون خمسين ألف مثلاً، إذا كانت الدية مائة ألف، وإذا قلنا: يدفع قيمته بالغة ما بلغت فقد تكون ثلاثة أضعاف الدية كما ذكرنا، وسيأتي -إن شاء الله- تفصيل هذا في باب الديات.

قال رحمه الله: [فلا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد].

(الفاء) للتفريع، وهذا هو التفصيل والبيان، فإذا كان قد ثبت أنه لا بد من المكافأة في الدين والحرية والرق فينبني على هذا، ويتفرع عليه ألا يقتل مسلم بكافر، وهذا عام، كما ذكرنا في الردة، ولو أن شخصاً -والعياذ بالله- ثبت بالشهود أنه سب الدين وسب الله عز وجل، فإنه يحكم بردته، فإذا قتله بعد سبه لله عز وجل مباشرة؛ فإنه قد قتل كافراً، فلا يقتل مسلم بكافر.

ولا يقتل حر بعبد كما ذكرنا، سواء كان عبده أو عبداً لغيره.

<<  <  ج:
ص:  >  >>