قال رحمه الله:[ويحثي على رأسه ثلاثاً ترويه] ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعد أن انتهى من وضوئه حثا على رأسه ثلاث حثيات، كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وحديث ميمونة -وهذان الحديثان يعتبران أصلاً عند العلماء رحمة الله عليهم في باب الغسل من الجنابة- وقد ذكرت ميمونة التعميم وذكرت عائشة رضي الله عنها كذلك التعميم في موضع والتفصيل في موضع ثانٍ، فقد بينت أن هذه الثلاث حثيات كانت من النبي صلى الله عليه وسلم؛ الأولى منها: لشقه الأيمن صلوات الله وسلامه عليه، والثانية: لشقه الأيسر، ولذلك فالسنة لمن توضأ في الغسل من الجنابة أن يبدأ فيأخذ حثية إلى شق رأسه الأيمن، فيحثي عليه، ويروي بهذه الحثية الأولى شعر رأسه قالت أم المؤمنين عائشة:(حتى إذا ظن أنه روى أصول شعره).
فالمقصود من هذه الثلاث حثيات: أن الشعر يكون كثيفاً، وخاصة أن شعر النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيفاً، وربما إذا رجّله وصل إلى منكبه، وكانوا في القديم قليلي الحلاقة، ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج قال:(سيماهم التحليق) فكانت الحلاقة قليلة في ذلك الزمان، فكان الإنسان إذا اغتسل من الجنابة يخاف من الشعر؛ لأن إنقاء البشرة مقصود في الجنابة، ولذلك قال علي رضي الله عنه:(فمن ثم عاديت شعري)، يعني: خوفاً من الجنابة عاديت الشعر، فكان يحلق رضي الله عنه ويكثر منه، وكل ذلك خوفاً من التقصير في تروية أصول الشعر أو البشرة في الغسل من الجنابة.
فكان عليه الصلاة والسلام يأخذ الحفنة الأولى ويروي بها أصول الشعر، فإذا بلغ الماء أصول الشعر في الشق الأيمن والشق الأيسر حثا عليه الصلاة والسلام الحثية الثالثة التي يقصد بها التعميم، فإذا عمم رأسه تفرغ لبدنه، قالت أم المؤمنين رضي الله عنها:(ثم أفاض على جسده)، وفي رواية:(على سائر جسده الماء).
قال بعض العلماء: يستحب قبل التعميم أن يتفقد الإنسان المواضع الخفية في البدن كالإبطين فيبدأ بإيصال الماء إليها، كما أوصل عليه الصلاة والسلام الماء لشئون رأسه؛ لأنه عند تعميم الماء لسائر الجسد قد يغفل عن هذه المواضع، ولذلك قالوا: تفقد عليه الصلاة والسلام شعر رأسه، وهذا أصل في تفقد المواضع التي قد تكون بعيدة عن الماء إذا عمم.