للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم فرقعة الأصابع في المسجد وتشبيكها بعد الفرض]

السؤال

ما حكم الفرقعة بالأصابع في المسجد؟ وما حكم تشبيك الأصابع بعد الانتهاء من صلاة الفرض؟

الجواب

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن فرقعة الأصابع لم يثبت دليل على تحريمها والمنع منها، ولذلك فإن فتوى البعض بأنها حرام أمر محل نظر؛ لأن تحريم الأشياء يحتاج إلى نص من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

والناس يختلفون، وقد يعتاد البعض فرقعة أصابعه دون شعور، وليس هناك دليل لا من الكتاب ولا من السنة على تحريمها، وما يُحكى عن قوم لوط أنهم كانوا يفعلون هذا، فهذه أمور تحتاج إلى توثيق، وتحتاج إلى ثبوت النص بتحريمها وإنكارها وعدم جوازها.

لكن بعض العلماء عد ذلك من خوارم المروءة، ولكن ليس على كل حال يعتبر من خوارم المروءة، فقد يكون الشخص اعتاد ذلك، أو يفعله لا شعورياً بسبب الإلف، فهذا أمر موسع فيه، أما إذا كان على سبيل التكسر والتخنث فهذا أمر معروف حكمه، حتى إن لباس الثوب لو كان على صفة فيها تكسر، أو المشية لو كانت على صفة فيها تكسر، فهي محرمة لعارض لا لأصل.

ففرقعة الأصابع شدد فيها بعض العلماء وعدها من خوارم المروءة، لكن الحكم بالتحريم يحتاج إلى نص؛ لأن خوارم المروءة ليست بمحرمة؛ لأنها في أشياء مباحة، قال الناظم: وما أبيح وهو في العيان يقدح في مروءة الإنسان فهو مباح في الأصل؛ كالأكل أمام الناس، والأكل في الأسواق، والضحك بصوت عال في مجامع الناس، وفي أمكان لا يصلح فيها الضحك ونحو ذلك من الأمور التي تدل على نقصان عقل صاحبها، فهذه من خوارم المروءة؛ لأن المروءة هي الكمال.

والأصل في الدليل الشرعي في ضابط خوارم المروءة ما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، فإذا فعل الإنسان هذه الأمور أمام من ينبغي الحياء منه؛ كالعالم والوالد والشيخ أو الكبير أو الذي له مكانة، فمثل هذه الأمور تخرم المروءة، ولكنها لا تقتضي الحكم بالحرمة.

وأما تشبيك الأصابع فله حالتان: الحالة الأولى: تشبيك الأصابع قبل الصلاة، فهذا منهي عنه شرعاً، فمن خرج من بيته فلا يجوز له أن يشبك بين أصابعه؛ لأنه جاء في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الرجل إذا خرج من بيته فهو في صلاة فلا يشبكن بين أصابعه؛ لأن التشبيك شعار اليهود في عباداتهم.

ومن الأخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض الناس مما يسبق الصلاة: أنهم وهم جالسون بعد أداء السنن أو أداء تحية المسجد تجد الشخص يشبك أصابعه بعضها ببعض، مع أنه قبل الصلاة ممنوع منه، وينصح الناس وينبهون على ذلك.

الحالة الثانية: بعد الصلاة؛ وفيها أحاديث صحيحة منها حديث في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ذي اليدين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي -شك من الراوي- فسلم من اثنتين، ثم قام إلى الجذع كالغضبان وشبك بين أصابعه)؛ فهذا يدل على أن تشبيك الأصابع بعد الصلاة لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبك بين الأصابع ظاناً أن الصلاة قد انتهت.

ومن هنا قالوا: لا بأس به، ومما يدل على أن التشبيك في غير الموضع المنهي عنه جائز: أن النبي صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه، كما في الحديث الصحيح لما قال: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد وشبك بين أصابعه عليه الصلاة والسلام).

فهذا يدل على أنه لا بأس في الأصل، لكن في العبادات وأثناء الصلاة، أو في انتظار الصلاة، أو في الطريق إلى الصلاة، هذا ممنوع منه ومحظور.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>