إذا كان الإنسان داخل الحرم فهل يلزمه أن ينظر إلى عين الكعبة أم ينظر إلى موضع سجوده؟
الجواب
هذه المسألة فيها خلافٌ بين العلماء رحمة الله عليهم، قال بعض أهل العلم: من صلَّى فإنه يضع وجهه قِبَلَه ولا يضعه جهة السجود، وذلك لأن الله عز وجل يقول:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٤٤]، وأما ورود السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرمي ببصره إلى موضع سجوده، فقالوا: لا مانع أن يكون الأصل أنه كان يرمي ببصره إلى حيث أُمِر، ثم إنه يرمي إلى موضع سجوده في بعض الأحيان، كما يقع من الإنسان الخاشع، فهذا وجه من يقول: إنه يستقبل جهة القبلة ويجعل بصره أمامه.
وأكدوا هذا أيضاً فقالوا: لأنه يحقق مقصود الشرع، فإنه لو مر أحدٌ بين يديه ينتبه له، ولكن إذا كان رامياً إلى موضع سجوده فقد يكون أقل انتباهاًَ لمن يمر، ولذلك قالوا: إن الأفضل والأولى أن يجعل وجهه قِبَل القبلة، بمعنى أنه يرفعه.
وقال بعض العلماء: السنة أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، وذلك لثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه كان إذا صلى رآه الصحابة رامياً ببصره إلى موضع سجوده) صلوات الله وسلامه عليه.
قالوا: وهو أيضاً يحقق مقصود الشرع؛ لأنه أقرب إلى الخشوع.
وجاء حديث أم سلمة يؤكد هذا، وهو:(أن الناس كانوا إذا صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانت أبصارهم لا تفارق موضع سجودهم، ثم لما قُتِل عمر رضي الله عنه نظروا أمامهم، فلما قتل عثمان أخذوا يميناً وشمالاً)، أي: على حسب الفتن، نسأل الله السلامة والعافية.
فكان الخشوع موجوداً فيهم، ثم لما حصلت الفتن أصبح الناس يسلبون الخشوع شيئاً فشيئاً، كما جاء في حديث الدارمي:(إن أول ما يرفع من العلم الخشوع).
فالمقصود أنهم قالوا: إن أم سلمة أثبتت هذا، فدل على أن مقصود الشرع أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، وهذا القول في الحقيقة أقوى، وبناءً على ذلك إذا كان في مكة أو داخل البيت فإنه يأخذ بالسنة من الرمي إلى موضع السجود، وإن رفَع بصره إلى جهة الكعبة فلا حرج، لكن الذي تطمئن إليه النفس ما ذكرناه لورود الخبر مع تحقيق مقصود الشرع من الخشوع.
وما ذكروه من دفع المصلي فإننا نقول: إذا تعارضت فضيلتان: الانتباه لدفع المصلي وخشوع المصلي، فإن خشوع المصلي متصلٌ بالصلاة، وفضيلته متصلة من هذا الوجه، ودفع المصلي منفصلٌ عن الصلاة ففضيلته منفصلة من هذا الوجه، فتُقدَّم الفضيلة المتصلة على الفضيلة المنفصلة من هذا الوجه، والله تعالى أعلم.