الأصل في شرعية الحدود: كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر الحدود في كتابه، فنص على حد الزنا، فقال سبحانه:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور:٢]، ونص على حد القذف:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:٤]، ونص على حد السرقة:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[المائدة:٣٨]، ونص على حد الحرابة:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ}[المائدة:٣٣].
كذلك أيضاً في السنة جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جريمة الزنا:(خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)، وصح عنه عليه الصلاة والسلام كما في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وأرضاه في قصة ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه أنه لما اعترف بالزنا أقام عليه النبي صلى الله عليه وسلم الحد فأمر برجمه، قال بريدة رضي الله عنه: فأمر به فرجم، وفي قصة العسيف -كما في الصحيح- والعسيف هو الأجير، فقد جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: أناشدك الله أن تقضي بيني وبين هذا الرجل بكتاب الله، فقال الآخر: وأنا أناشدك أن تقضي بيني وبينه بكتاب الله، إن ابني هذا كان عسيفاً عند هذا فزنى بامرأته، إلى أن قال صلى الله عليه وسلم:(واغد -يا أنيس - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها)، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه رجم المرأتين اللتين اعترفتا بالزنا وأقام عليهما الحد، وهذه كلها سنن صحيحة في حد الزنا.
وأما حد السرقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يد المخزومية كما في الصحيح، وهي التي كانت تستعير المتاع وتجحده، وقال صلى الله عليه وسلم:(والله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطعت يدها)، وهذا نص في إثبات حد السرقة، وكذلك أمر عليه الصلاة والسلام بقطع يد سارق رداء صفوان، وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:(أن أناساً من عكل أو عرينة اجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسملوا عينيه -كما في بعض الروايات- واستاقوا الإبل، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في إثرهم، فأخذوا، فأمر بهم عليه الصلاة والسلام فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمرت أعينهم، وفي لفظ: وسملت أعينهم، ثم تركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون)، وفي الصحيح من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجلد شارب الخمر، فكان من الصحابة الضارب بثوبه، والضارب بنعله، وهذا كله يدل على إثبات الحدود ومشروعيتها.