التعزير في لغة العرب: مأخوذ من عزّر فلان فلاناً إذا منعه، ويقال للنصرة، فالمعزر هو الناصر، والأصل في هذه المادة أنها للمنع والحيلولة بين الشيء والشيء الآخر، ونظراً لاشتمالها على معنى المنع استعملت في التأديب؛ لأن التأديب يمنع الإنسان من العود إلى ما فعله من الأمور الممنوعة والمحظورة، ولذلك عرّفه المصنف رحمه الله: بالتأديب، وهذا أحد التعاريف التي ذكرها العلماء رحمهم الله، وبهذا التعريف -وهو التأديب- تكون المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: وجود المنع، وذلك أن المعنى اللغوي يدور حول الحيلولة بين الشيء والشيء، والتأديب يمنع الإنسان من الأمور التي لا تليق به والأمور التي حظرت عليه ومنع منها.
يقول رحمه الله:(باب التعزير) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بالعقوبة التي لا حد لها ولا تقدير في الشرع.
وهذه العقوبة -عقوبة التعزير- تشرع في غير الحدود المقدرة، سواء كانت الجناية من الجنايات القولية أو الجنايات الفعلية، ولكن
السؤال
لماذا ذكر المصنف رحمه الله باب التعزير في هذا الموضع بعد الجلد؟ فهو قد ذكر عقوبة الزنا، وأعقبها بعقوبة القذف، وأعقبها بعقوبة شرب المسكر، والسؤال: لماذا ذكر التعزير بعد هذه الحدود؟ والحقيقة أنه كان ينبغي أن يؤخر باب التعزير إلى نهاية كتاب الحدود؛ لأن التعزير عقوبة غير مقدّرة شرعاً، فكان المنبغي أن ينتهي من العقوبات المقدّرة شرعاً ثم بعد ذلك يبين ما لا حد فيه ولا عقوبة معينة شرعاً، وهذا مسلكٌ درج عليه بعض الأئمة رحمهم الله؛ أنهم ذكروا أبواب وكتاب الحدود ثم أعقبوها بباب التعزير.
والمصنف رحمه الله لعله لاحظ وجود التعزير في أغلب الصور أنه يقوم على الجلد، ولذلك بعدما فرغ من بيان العقوبات الشرعية المقدرة في الجلد بالأعداد المحددة شرعاً -كما ذكرنا في حد الزنا والقذف- أتبعه بحد الخمر، ثم أتبع ذلك بالتعزيرات لأنها في الغالب بالجلد.
ومن هنا تكون المناسبة وجود اتفاق أو شبه مقاربة بين عقوبة الجلد بالحد وعقوبة الجلد بالتعزير، ومن هنا جاء في باب التعزير أنه لا يجلد فوق عشرة أسواط، وهذا نوع مناسبة، وإلا فالحقيقة أن الأليق به ذكره بعد كتاب الحدود، ومن العلماء والأئمة رحمهم الله من أخّر باب التعزير، وهذا أدق.