حكم بيع الربويين المختلفين ببعضهما إذا كان أحدهما نقداً
قال رحمه الله:[ليس أحدهما نقداً كالمكيلين والموزونين]: للحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد)، فلو أنه باع من الأربعة المطعومة: براً بتمر، أو شعيراً بتمر، أو شعيراً بملح؛ فإنه يجب التقابض على ظاهر السنة، وهكذا لو باع الفضة بالذهب؛ لكن لو باع الذهب بصنف من الأصناف الأربعة، أو باع الفضة بصنف من الأصناف الأربعة، فصار أحدهما نقداً فعندنا ستة أصناف كلها ربوية إن كان موزوناً بموزون، أو مكيلاً بمكيل من المطعومات أو من غير المطعومات، فإذا كان موزوناً فإنه يجب التقابض، لكن إذا بيع الذهب أو الفضة بواحد من الأصناف الأربعة، فهناك ربوي بربوي، ولكن إذا كان أحدهما نقداً فإنه لا يشترط التقابض ولا التماثل، كأن يشتري مائة صاع من بر بمائة ريال، وهكذا لو اشترى بالنقد ما هو موزون من برتقال أو موز أو تفاح أو نحو ذلك، فإنه لا يشترط التقابض.
والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)، والسلف: تقديم الثمن وتأخير المثمن، بأن يعطيه الدراهم والدنانير معجلة على أن يأخذ منه الطعام مؤجلاً، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم تأخير المطعوم مع النقد.
فدل على أنه إذا بيع المؤجل وكان أحدهما نقداً، جاز ولا بأس به، فلو جاء إلى صاحب البقالة، وقال له: سيأتي ولدي كل يوم ويأخذ من عندك أغراضاً فأعطه، وفي آخر الشهر سأعطيك دينك، فقد صار مطعوماً مما يشترى بنقد نسيئة، فالمطعوم الذي هو الطعام الموجود في البقالة، أو الأغراض التي سيشتريها من الطعام، بنقد نسيئة، فصار ولو كان من جنس الربويات، كأن يأتي إلى بائع تمر، ويقول له: ابني كل يوم سيأتي ويأخذ منك صاعاً أو نصف صاع فأعطه، وفي آخر الشهر سوف أحاسبك.
فحينئذٍ أخذ الرجل الطعام الذي هو التمر، وقال: إلى آخر الشهر، فصارا ربويين؛ لأن الريالات أصلها فضة، والفرع آخذ حكم أصله، وبالنسبة للطعام الذي يدفع لقاء النقد الموعود به من جنس الربويات، فربوي بربوي، لكن أحدهما نقد، فإذا كان أحدهما نقداً فإنه يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم أسلف الطعام بالنقد إلى أجل وأباح ذلك.
ومن هنا أجمع العلماء رحمهم الله من السلف والخلف على جواز تأخير أحد الربويين إذا كان أحدهما نقداً والآخر الذي هو الثمن والمثمن نسيئة، لكن لو كانا نقدين فلا يجوز، وهكذا لو كان نقداً بجنسه أو من جنس الأثمان، كأن يشتري مثلاً كيلو من الذهب بالنقد الذي هو الريالات، فلم يجز، لكن لو اشترى كيلو الذهب بألف صاع من تمر؛ جاز وصح؛ لأنه ثمن لمثمن، وأحدهما الذي هو الأول نقد ولا حرج في تأخيره على ظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وجماهير العلماء على أنه يجوز التأخير، ولا بأس بذلك.