[المواطن التي يدفع عنها الصائل]
يقول رحمه الله: (ومن صيل على نفسه) وفي بعض النسخ: (ومن صال) وهو أوجه.
الصائل: اسم فاعل من صال يصول فهو صائل، إذا وثب على الغير واستطال عليه.
ويطلق الصولان على القوة والاندفاع في الشيء، وهذا الصائل على الغير: تارة يكون آدمياً، وتارة يكون من غير الآدميين، وهنا المصنف -رحمه الله- يقول: (ومن صال) وبين بعد ذلك من هو فقال: (آدمي أو بهيمة) فهذا فيه عموم حيث يشمل كل من يهجم عليك، أو يهجم على الغير.
فإن كان الصائل آدمياً: فإما أن يكون مكلفاً كالمسلم البالغ العاقل يهجم على غيره يريد أن يقتله، أو ينتهك عرضه، أو يأخذ ماله، وإما أن يكون من غير المكلفين، مثل: أن يكون مجنوناً يهجم على الإنسان بالسلاح، ويفاجأ الإنسان به وقد أشهر عليه سلاحه، أو أنه سكران، أو مخدر، وقد يكون صبياً مميزاً، أو غير مميز، وكل هذا يدخل في الصائل، وكذلك قد يكون بهيمة.
ثم هذا الصائل إذا هجم على الغير قد يهجم بحق، وقد يهجم بغير حق، فقد يهجم الإنسان على الغير، ويهدده بالسلاح ومعه حق في هذا التهديد، كأن يكون الذي هُجم عليه مطالباً بحق لله عز وجل أو بجريمة، أو أُمر هذا الشخص أن يأتي بهذا الشخص الذي يصال عليه من أجل معرفة حق من حقوق الله عز وجل عليه، وهذا في حالة ما إذا كان الصائل معه حق، حتى البهيمة في بعض الأحيان تصول على الإنسان بحق، مثلاً: إذا دخل اللص إلى حائط بستان، وفيه كلب للحراسة، فإن هذا الكلب إذا صال على هذا الشخص فإن هذا حق من الحقوق؛ لأن الشرع أذن باتخاذ الكلب لحراسة الزرع ولحراسة الماشية، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أذن بكلب الصيد والحرث والماشية، فإذا هجم الكلب في هذه الحالة فهذا بحق.
وقد يكون بغير حق كما إذا هاج البعير أو الثور، وهجم على الإنسان، وخاف على نفسه، أو خاف على أموال عنده، بأن هجم على دكانه أو متجره، وغلب على ظنه أنه سيتلف أمواله، فكل هذا يدخل في أحكام الصائل، لكن كلام العلماء ينصب على حالة ما إذا كان الصائل بغير حق، وليس المراد إذا كان بحق.
فمن هجم على الغير وعنده حق في هذا الهجوم، وله إذن شرعي، فإنه يخرج من مسألتنا، ولذلك قد يكون الهجوم على الغير من الجهاد في سبيل الله عز وجل، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الجند والشرط إذا هجموا على قطاع الطريق، أو هجموا على المجرمين، وكان المجرمون لهم سلاح وفتك، فإنهم إذا دافعوا عن أنفسهم أو طلبوا هؤلاء المجرمين يكونون كالمجاهدين في سبيل الله؛ لأنهم يحفظون دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، ويقومون على مصالح المسلمين العامة؛ لأنه طلب بحق، فهذا الهجوم إذا كان له مبرر شرعي فإنه لا يدخل معنا في مسألة الصول.
الصول المراد به هنا أن يكون بغير حق، مثل ما يقع في الحرابة وفي مسائل العصابات إذا هجمت على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وغير ذلك.
يقول رحمه الله: (ومن صال على نفسه) الصول على النفس للقتل، ويثبت هذا بالأمارة، فيكون صائلاً على نفس الإنسان إذا أشهر عليه سلاحاً يقتل غالباً، أو وضع هذا السلاح على مقتل كالرأس وقال له: افعل كذا، أو ادفع لي مالك، أو يهجم على المرأة لانتهاك عرضها، أو يريد من عدو أن يقتله فيسفك دمه.
وقوله: (أو حرمته): الحرمة: كالمرأة مثلاً يصول عليها من أجل أن يزني بها والعياذ بالله.
وقوله: (أو ماله): أي: يصول عليه من أجل أن يأخذه.
فبين رحمه الله محل الصول، والسبب الدافع لهذه الأذية والإضرار، وهو: قتل وإزهاق النفس، والاعتداء على العرض، أو أخذ المال.
وأعلى هذه الأشياء وأعظمها حرمة النفس، ثم يلي ذلك العرض، ثم يلي ذلك المال، ولذلك فإن شدد الشرع في أحكام الصائل في النفس والعرض والمال، ولم يقع خلاف في النفس والعرض، ولكن وقع الخلاف في المال، ولذلك تجد العلماء لما قالوا بوجوب دفع الصائل، لم يختلفوا في دفعه إذا كان لأجل النفس أو العرض، ولكن الخلاف في المال هل يجب أم لا يجب؟ على تفصيل عندهم رحمهم الله.