قوله هذا دلّ على أن النائم مكلف أثناء نومه، أي أن الخطاب متوجهٌ عليه أثناء النوم، واختلف العلماء: هل النائم والناسي والساهي والسكران مكلفون أثناء السكر والنسيان والنوم، ثم يطالبون بالفعل بعد الإفاقة، كالحال في مسألة الحائض والنفساء؟ فقال بعض العلماء: النائم والناسي والساهي مكلفون، ولكن لا يؤاخذون وقت العذر، فإذا زال عنهم العذر فإنهم يطالبون بالفعل، وبناءً على هذا يقال: يؤمرون بالقضاء ويثبت عليهم؛ لأنه إذا تعذّر عليهم الأداء لعذرٍ فالقضاء مفرعٌ على وجود الأداء، وقالوا: إن النائم يؤمر بقضاء الصلاةِ، وهذا بالإجماع؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة له إلا ذلك)، فدل على أنه مطالبٌ بالقضاء، ودل على أن نومه وخروج الوقت عليه وهو نائم لا يوجب سقوط التكليف عنه، ولذلك يؤمر بقضاء هذه العبادة، والأصل: أن ذمته مشغولةٌ بفعل هذه العبادة حتى يدل الدليل على سقوطها، ولا دليل، فيبقى مطالباً بفعل الصلاة، فيؤمر بها بعد استيقاظه من النوم.
لكن هنا مسألة: فقد قال بعض العلماء: من نام عن الصلاة وخرج وقتها، فإنه يؤمر بالفعل مباشرةً، وإن تأخر أثم؟ وقال بعض العلماء: يؤمر بفعلها ما لم يدخل وقت الثانية التي بعدها، ويخرج وقت الصلاة التي هو فيها، وقالوا: يجوز له أن يؤخر.
وتوضيح هذه المسألة ما جاء في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما الثابت في الصحيح أنه قال:(عرّس النبي صلى الله عليه وسلم وسار إلى آخر الليل، قال: فوقعنا وقعةً ألذ ما تكون على المسافر -لأنهم كانوا يسيرون في الليل في مقدمهم من غزوة تبوك رضي الله عنهم وأرضاهم- فلما صار إلى آخر الليل وقرب وقت الفجر أعياهم المسير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ بلال: اكلأ لنا الليلة -أي: يا بلال! ارقب لنا الفجر وانتبه له، حتى إذا تبين الصبح فأيقظنا للصلاة- فنام بلال، ونام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم يستيقظوا إلا بحرِّ الشمس، فاستيقظ عمر وصاح في الناس، وصار يكبر، ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر إلى القوم قال عليه الصلاة والسلام: يا بلال: ما شأنك؟ -أي: ما الذي دعاك أن تضيع علينا الصلاة؟ - فقال: يا رسول الله: أخذ بعيني الذي أخذ بعينك) أي: أنت متعب وأنا متعب، فكما نمتَ نمتُ، وهذا من لطف الصحابة رضي الله عنهم وحسن أدبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال:(ارتحلوا إنه منزلٌ حضرنا فيه الشيطان.
فارتحلوا عن الوادي، ثم توضأ عليه الصلاة والسلام، وتوضأ أصحابه فصلّى راتبة الفجر -كما في الصحيح في رواية أنس -، ثم أمر بلالاً فأقام فصلى الفجر).
فالمسافة ما بين انتقاله من الوادي إلى الوادي فيها تأخيرٌ للصلاة، ولذلك قالوا: دلّ هذا على أنه إذا استيقظ لا يؤمر بالفعل مباشرة، وأنه لو أخّر ليسير الوقت فلا حرج، وقالوا: إنَّ له أن يؤخر إلى قرب الظهر، فهذا مذهب من يقول: إنه لا يطالب بالفعل مباشرةً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخّر الصلاة فانتقل من الوادي الذي هو فيه إلى واد آخر.
وأجاب الأولون بأن فعله صلى الله عليه وسلم عذرٌ خاصٌ بهذه الصورة أو ما في حكمها، ويبقى الأصل بتوجه الخطاب عليه بالفعل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصليها إذا ذكرها).
فجعل الأمر عند الذكر، فدل على أنه مطالبٌ بالفعل فوراً، خاصةً على مذهب من يقول: إن الأمر يقتضي الفور، فهذا حاصل ما ذكره العلماء.
والحقيقة أنَّ الأحوط أن الإنسان يبادر، ويفعل الصلاة بمجرد الاستيقاظ ما أمكنه.