للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اختيار طالب علم لمراجعة الدروس]

واجتهد ما تستطيع في اختيار طالب علم تذاكر معه في هذه الحالة، وأوصي بطلاب العلم الصادقين، وهنا وقفة: ينبغي على اللاحق أن يعترف بفضل السابق، ووالله لا بركة لطالب العلم إلا أن يحفظ حق إخوانه، فإذا تتلمذ على شيخ يعرف أن هناك من سبقه، وأن السابق له حق وحرمة، فيحترمه ويقدره، ويرجع إليه إذا مرت عليه مسألة ما قرأها، ويعرف أن فلاناً ربما قرأها وهو أعلم بها، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم ينصحون بالتابعين، فيقول له: اذهب إلى فلان، وعائشة رضي الله عنها تقول: (سل عبد الله بن عمر)؛ لأنه كان أعلم، وكانوا يسألون أمهات المؤمنين.

وهذا من النصيحة، والدين النصيحة.

وهنا ننبه: أن الأفضل أن يجتمع الإنسان بالأكثر، وهذا يختلف إذا ما كان عندك نوعية جدية ممتازة، ثلاثة أو أربعة أو خمسة، لكن في حدود الخمسة أحسن، إذا كانت منضبطة في نفس يوم الدرس، فبدلاً من أن تحضر الدرس يمكن أن تحدد الوقت الذي يناسب للمراجعة، ثم كل منكم يتقي الله في أخيه، إن وجده مجداً شحذ همته وثبته، وإن وجده متقاعساً قواه، وإذا وجد أنه لا يصلح لهذا تخلى عنه، لكن بعد أن يعذر منه، فإن هذا العلم لا ينبغي أن يؤتمن عليه الكسول ولا الخمول، بل ينبغي أن يختار له أفضل وأحسن الناس جداً واجتهاداً واستشعاراً بالمسئولية، فإذا رأيتم الخمول، والكسلان غداً سيتعلم العلم ثم يقعد في بيته {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:٥].

فهذا العلم لا ينال إلا بالجد والاجتهاد، من يريد أن يسابق ويتغرب من يحمل هذا العلم وليس عنده أي مانع أن يسافر إلى أقصى الشرق والغرب من أجل أن يبلغ رسالة الله عز وجل، إما همة صادقة ورجل علم صادق وإلا فلا، وتبحث عن رفيق صادق في طلبه للعلم وجده واجتهاده، فالأفضل أن الاثنين والثلاثة يأتون لمن هو أقدم منهم، ويقرءون عليه ويراجعون معه من البداية؛ لأن من درس ثلاثة أو أربعة كتب استبان له بعض الشيء في المنهج، فحينئذ إذا جلس مع طالب علم متمكن فيمكن أن يسد الثغرات الموجودة عنده، ويكمل نقصه فيما فيه النقص.

وهنا أمر ينبغي أن ينتبه له الطالب الذي يأتي إلى من هو أقدم، فينبغي أن يترفق به، وإذا اعتذر له فلا يحمله على المحمل السيئ، فإن المشكلة الآن في طلاب العلم أنهم يريدون من يعلمهم كما يريدون، وتجد طالباً يأتي ويقول: يا شيخ! أنا أريد أن تعطيني درساً في كتاب كذا وكذا، وهو الذي يختار الدرس، وهو الذي يختار الوقت، ولو قدر له أن يختار كيف أشرح لفعل، وأيضاً يقول: لا تتسرع إذا أتيت إلى شخص وقال لك: لا أستطيع.

فيجب أن تحسن الظن به، ولا تحمله على أنه لا يريد أن يعلمك؛ بل تحسن به الظن، وتقول له: بارك الله فيك وأعانك الله، فإن تيسر له وقت احرص على هذا الوقت ولو كان قليلاً، فربما هذه الساعة التي تراها قليلة فيها خير كثير وفيها بركة.

ثم أوصي طالب العلم الجيد أن لا يرد أحداً قادراً عليه، ومن تعلم منا علماً فإننا نناشده الله أن لا يبخل به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يتقي الله عز وجل، فليس لنا من هذا العلم إلا بقاؤه في الناس، أما وقد تحملنا ما تحملناه رجاء أن يبقى علمنا في الناس، فينصح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، خاصة في هذا الزمان، فكل يحتاج فيه إلى من يعلمه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>