تقدم في الأمثلة الأولى النقص في المنافع وفي الذوات، وانظر إلى قوله:(وإن خصى الرقيق) فجاء بجملة منفصلة عن الجملة المتقدمة؛ لأنه بإخصاء الرقيق صار اعتداء على الذوات، وبعض العلماء يرى أنه اعتداء على المنافع، فإذا جئت تنظر إلى أن العضو تعطل فلا ينتشر ولا يجامع فيكون نقصاً للذات، وإذا جئت تنظر إلى المنفعة المترتبة من الجماع يكون نقص منفعة، وأياً ما كان فقوله:(وإن خصى الرقيق) هذا للذات، ويبقى السؤال للنوع الثالث من النقص والزيادة وهو: السعر، فقضية نقص السعر ترجع إلى السوق، ويرجع فيها إلى أهل الخبرة، فقيمة الشيء المغصوب إذا نقصت أو زادت فيها الضمان، فإذا أخذ المغصوب وقيمته ناقصة ورده وقيمته كاملة فإنه يرده على حاله.
مثلاً: لو أخذ شيئاً قيمته مائة ألف، ولما أراد أن يرده أصبح يساوي مائة وخمسين، فإنه يرده بحاله ولا يرد له المالك الخمسين، ولا يضمن له الخمسين.
لكن لو أخذه وقيمته مائة، ورده وقيمته خمسون فإنه لا يضمن الغاصب؛ لأن هذا النقص ليس بيده وليس ناشئاً من تصرفه وليس له به علاقة، بل هو راجع إلى تقدير الله عز وجل وأمره سبحانه وتعالى.
وهنا تكاد تكون المسألة إجماعية، أنه ما يضمن نقص السوق، إلا أن فيها شذوذاً وخلافاً حكي عن أبي ثور الفقيه المشهور إبراهيم بن خالد بن يزيد الكلبي -وكان شافعياً ثم أصبح صاحب مذهب واجتهاد وهو الذي يقول فيه الإمام أحمد رحمه الله:(أعرفه بالسنة منذ ثلاثين عاماً) فكان إماماً رحمه الله في الفقه والعلم والعمل- فهنا الإمام يرى أنه إذا نقص في السوق فإنه يدفع ويلزمه الضمان، بناء على هذا القول الضعيف الشاذ: لو أخذ السيارة وقيمتها خمسون ألفاً، ولما ردها بعد سنة أصبحت قيمتها خمسة وعشرين ألفاً فيردها مع خمسة وعشرين ألفاً، ويضمن النقص، ولكن الصحيح أنه لا يضمن نقص السوق.
فإذاً: أصبح عندنا نقص الذوات مضمون، ونقص المنافع مضمون، ونقص السوق والسعر غير مضمون، على أصح قولي العلماء رحمهم الله.