[إذا أوصى أن يحج عنه بمال يكفي لأكثر من حجة]
قال رحمه الله: [وإذا أوصى من لا حج عليه أن يحج عنه بألف؛ صرف من ثلثه مئونة حجة بعد أخرى حتى ينفد].
الإنسان إذا وصى بالحج أو بالعمرة، فإما أن يكونا واجبين عليه، وإما أن يكونا غير واجبين، فإن كانا واجبين فلا إشكال، فإنها ستُخرج سواء وصى أو لم يوص؛ لأن دين الله أحق أن يُقضى؛ ولكن إذا وصّى وقال: حجوا عني، فإن حدد مالاً فقال: هذه العشرة آلاف يُحج بها عني، أو ثلث مالي يحج به عني، فحينئذٍ نأخذ هذا الثلث كاملاً نُحجج عنه، فإذا حججنا عنه لم يخلُ من حالتين: فإما أن يكفي الثلث، وإما أن لا يكفي.
فإن كان الثلث كافياً فعلى ضربين: إما أن يكفي ويزيد، وإما أن يكفي ولا يزيد.
فإن كان يكفي ولا يزيد فلا إشكال، مثال ذلك: لو أنه قال: خذوا من مالي ألف ريال وحجوا بها عني، ثم جئنا لشخص وقلنا له: أتحج عن فلان؟ قال: نعم، فنظرنا في مئونة الحج وكلفته فإذا هي ألف ريال؛ فحينئذٍ وصّى بمال يكفي للحج ولا يزيد، فحينئذٍ لا إشكال.
الحالة الثانية: أن يكفي ويزيد، فإذا كفى المال وزيادة؛ حُج عنه بالأصل، ثم كُرِّر الحج سنوات حتى ينفُد المال كله؛ لأن هذا المال شبه الموقوف على هذه الطاعة، فيحجَّج بهذا المال عنه.
لكن الإشكال إذا كان المال يكفي لأربع حجج، فهل تكون هذه الأربع الحجج متتابعة، بحيث نحج عنه في أربع سنوات، أو يُمكن أن يُستأجر أربعة أشخاص في حجة واحدة؟ هذا فيه تفصيل عند بعض العلماء، فبعض العلماء يقول: لا يُحج عن الميت إلا حجة واحدة؛ لأن البدل آخذ حكم مبدَله، كما أنه لا يمكن أن يأتي بحجتين في عام واحد؛ فكذلك لا يصح أن يُحجّج عنه حجتين في عام واحد؛ ولأننا لو فتحنا هذا الباب في باب النوافل لصح أن يأتي هو بحج ويستأجر الغير معه ليحج أيضاً عنه، على القول بجواز التنفل عن الحي مع القدرة، وهذا من حيث النظر صحيح، ومن حيث الأصل أيضاً له وجهه.
وبعض العلماء يقول: بل يمكن أن يُحجّج عنه أربعاً أو خمساً في زمان واحد على حسبه، فمثلاً: لو ترك خمسة آلاف، وكل ألف ريال تكفي لحجة عنه، فبعض العلماء يقول: أستأجر خمسة أشخاص؛ وذلك لأنني لا أضمن في العام القادم أن تكون الحجة بألف، وقالوا: إنه يجوز في الأموات بعد موتهم ما لا يجوز للإنسان في حال حياته، فيخفف في هذا من هذا الوجه.
وأياً ما كان فكلا القولين له وجهه، وما ذكرناه من أنه لا يُجمع بين الحجتين في عام واحد له قوة.
هذا بالنسبة إذا كانت تكفي وزيادة، والحكم الذي يهمنا أنه ما دام قد قال: ثلث مالي يصرف في الحج، أو هذه الألف يُحج بها عني، فإن هذا المال كله يُنفق في الحج، ولا نقتصر على حجة واحدة إلا إذا قال: خذوا من ثلث مالي حجة واحدة؛ أو عمرة واحدة، فحينئذٍ يُقتصر على ما طلب وسأل، ويُصرف من المال بقدره.
أما إذا كان لا يكفي أن يُحج عنه، فبعض العلماء يقول: إنه يُنظر إلى أقرب الأماكن؛ لأنه لا يمكن أن يُحج عنه من بلده ومن مكانه، ويمكن أن ينظر إلى أقرب الأماكن، كأن يُستأجر شخص من أهل مكة ويَحج عنه، أو يُنظر ممن يرضى بالقليل ويقوم بالحج عنه، وأياً ما كان فإن المال الذي عين للحج مصروفٌ في ذلك الحج، إلا إذا تعذر الوجود وتعذّر من يحج عنه، فحينئذٍ يُنتظر حتى يُتمكن من صرف ذلك المال في الحج.
وقوله: (صرف من ثلثه مئونة حجة بعد أخرى حتى ينفد)، أي: حتى ينفذ الثلث؛ لأنه لم يخص حجة واحدة، ولا عمرة واحدة، لكنه لو خص وقال: يُحج عني حجة واحدة، أو يُحج عني السنة القادمة، أو يُحج عني حجتين، فحدد وعيّن، فيتعين الحكم ويختص الحكم بما عُيِّن من أجله، أما إذا كان قد أطلق فإننا نستنفد الثلث كاملاً، ولو شمل ذلك عشر حجج، لكن على التفصيل الذي ذكرناه.