[حكم الوصية بالمعدوم]
وقوله: [وبالمعدوم] كالذي تحمل أَمته، أو الذي تحمل نخله؛ فالذي تحمل أمته أو جاريته قد يكون أثناء الوصية غير موجود، لكنه يوجد بعد ذلك، فحينئذٍ يكون ملكاً للمُوصَى له، ولو قال: ثمرة بستاني السنة القادمة، فهنا ثمرة البستان معدومة الآن.
والمعدوم: هو غير الموجود والذي يُرجَّى حدوثه، وقد لا يحدث أصلاً؛ لكنه معدوم، فالنخل له زمان يكون الثمر موجوداً فيه، وزمان لا يوجد فيه الثمر، فلو جاء الموصِي في الزمان الذي ليس فيه ثمر -والذي يسمونه مرحلة السكون، وهي تقارب شهرين يسكن فيها النخل فلا طلع فيه ولا ثمر، والشهران هذان اللذان هما بين الجَدّاد جَد النخل وبين الطلع- فلو وصّى فيهما فقال: ثلث ثمر البستان السنة القادمة؛ فأثناء الوصية يكون معدوماً، أي: غير موجود؛ فحينئذٍ تَصِح، والذي يُخرجه البستان يعطى منه النصيب الذي وصى به.
وقوله: (كما يحمل حيوانه وشجرته أبداً).
أي: كالذي يحمل حيوانه، مثلما ذكرنا في الناقة والبقرة والشاة والشجر والنخيل، كأن يقول: نخل البستان، أو يكون عنده عنب؛ فيقول: ثم العنب للسنة القادمة أوصيت به لفلان، أو أوصيت به لأبناء عمومتي، أو نحو ذلك، يختص بها من سَمّى في وصيته؛ فإنه يصح.
وقوله: (أو مدة معينة).
سواء كان مطلقاً أو مقيداً أو مدة معينة، فيقول: أوصيت بثمرة بستاني هذه السنة، أو أوصيت بثمرة بستاني لمدة سنتين لمحمد، أو ثلاث سنوات لأرحامي أو قرابتي، أو نحو ذلك.
وقوله: (فإن لم يحصل منه شيء بطلت الوصية).
الفاء: للتفريع، وذلك من دقة العلماء رحمهم الله، وهم يذكرون الأمثلة من باب ترتيب الأفكار في الذهن، وهذا يُعين طالب العلم على فهم المسائل، ويعين المفتي على الإفتاء، ويعين القاضي على القضاء، فعند العلماء أصول، وعندهم فروع مترتبة على هذه الأصول، ولذلك قسمت المسائل في الأبواب والفصول حتى تُركِّز وتنتبه لها، فالأبواب الرئيسية تعتبر أصولاً، ثم الفصول مبنية على هذه الأصول، ثم قد يكون في داخل الفصل والباب أصل وفرع.
فأول ما تبحث في مشروعية الشيء، أي: في إذن الشرع به، فإذا ثبت هذا الشيء، فتقول: ما الذي ينبني أو يترتب على ثبوته؟ فإنه هنا عندما قال: ثمرة بستاني للسنة القادمة لمحمد، ويقتضي عقلاً إما أن يحمل البستان وإما ألا يحمل، فالفاء هنا للتفريع.
فيريد أن يبيِّن حالة عدم خروج الثمرة؛ لأن السؤال الذي يحتاجه من يستفتي ويقضى به في القضاء هو في حالة عدم وجود شيء، فقد يأتي الموصَى إليه ويطالب الورثة ببديل، ويقول: ما دام أن الوصية ثابتة، ولي عند الموصي هذا الشيء الذي وصَّى به؛ فإنني لم أجد شيئاً؛ لأن الثمرة لم تخرج، ولذلك أُطالبكم ببدل وعوض عنه من ماله.
فنقول في هذه الحالة كما يقول المصنف رحمه الله: (فإن لم يحصل منه شيء بطلت الوصية)، فلا شيء له، وهذا لا شك أنه عين العدل والإنصاف، حيث وصَّى بثمرة بستانه، فإذا لم يخرج من البستان شيء فلا شيء له؛ لأن هذا مترتب على وجود شيء من البستان، أما إذا لو يوجد شيء فلا شيء له.