[حم الوصية بالزيت المتنجس]
قال رحمه الله: [وبزيت متنجس].
هناك الزيت النجس والزيت المتنجس، فالزيت النجس: هو النجس بعينه، ولا يمكن بحال أن تطهره، فلو جئنا وأخذنا زيتاً مستخرجاً من شحوم الميتة ومن أدهانها، فإنه نجس، ونجاسته عينية، ولو صببت عليه ماء الدنيا كله لما طهره، ولو طبخته فإنه لا يطهُر أيضاً؛ لأنه نجسٌ بعينه.
والمتنجس: هو الشيء الذي يكون في أصله طاهراً ودخلت عليه النجاسة، فتقول: هذا ثوب متنجس، أي: دخلت عليه النجاسة ويقبل التطهير.
فهناك فرق بين النجس وبين المتنجس، فما كان من الأشياء المتنجسة ويمكن تطهيره فإنه يجوز بيعه، فمثلاً: لو كان الثوب متنجساً صح بيعه، لكن لو كان زيتاً نجساً لم يصح بيعه ولا شراؤه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله: (إن الله ورسوله حرم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام، قالوا: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؟ -أي: أدهانها والزيوت المستخلصة منها والسمن ونحوه- فإنه يطلى بها السفن ويُستصبح بها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: قاتل الله اليهود! حرِّمت عليهم الميتة فجملوا شحومها ثم أذابوها فباعوها؛ فاستحلوا ما حرم الله عليهم بأدنى الحيل).
فهذا يدل على أن النجس بعينه لا يجوز بيعه، ولذلك جاءت الرواية الأخرى: (لا، هو حرام) أي: لا يجوز الانتفاع بالأدهان النجسة بأعيانها؛ لأنه لا يمكن تطهيرها، لكن لو كان عند إنسان زيت زيتون وقع فيه بول، أو اختلط بنجاسة، فعند العلماء خلاف: إذا تنجس الزيت فهل تكون نجاسته نجاسة ممازجة أم نجاسة مجاورة؟ وهذا قد سبق الكلام عليه في باب بيع الزيت.
فحينئذٍ: لو كان الزيت متنجساً لا نجساً بعينه؛ فقال -مثلاً-: زيت الزيتون هذا الذي وقعت فيه نجاسة وصّيت به لمحمد، أو وصيت به لزيد، صحت الوصية؛ لأنه يمكن تطهير هذا الزيت؛ إما بالطبخ وإما بالغسل، وقد قلنا: يُغسل الزيت بأن تزيد ماءً على النجاسة الواقعة فيه بما يخالط هذه النجاسة ويذهب عينها.
والدليل على ذلك: حديث الأعرابي، فإنه لما بال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُصب عليه ذنوب من ماء، وهذا الذنوب أكثر من البول، فدل ذلك على أن النجاسة إذا ورد عليه الماء الطهور الأكثر منها طهرها، فالزيت المتنجس عندما يقع فيه البول فإنه لا يمازجه ممازجة تامة، وحينئذٍ يبقى منفصلاً عنه، وتجد طبقة البول منفصلة عن طبقة الزيت؛ لأن الزيت والسمن لا يقبلانها؛ ففي هذه الحالة يُصب عليه الماء، فيختلط الماء بالبول، ويُصبح بكثرته مكاثراً له، ويُحكم بطهارة ذلك النجس، وحينئذٍ يُحكم بطهارة الزيت، ويصح الانتفاع به أكلاً وشرباً ودهاناً، كما سبق بيانه في كتاب البيع.
وقوله: [وله ثلثهما ولو كثر المال إن لم تجز الورثة].
فإذا كان وصّى بالزيت، أو وصى بالكلب، أو وصى بالأشياء التي ذكرناها من المعدومات والمعجوز عن تسليمها، وكانت تعادل الثلث؛ فإنه يأخذها كاملة.
وإن كانت دون الثلث؛ فإنه يأخذ ما يعادل الثلث من المال كله من ذلك الشيء الذي وصّى به، فيكون له ثلثه.
وقال بعض العلماء: له ثلث المعين، فإذا قال: هذا المعين لفلان؛ فإنه حينئذٍ يشاركه الورثة في ثلثيه، ولكن العمل بما ذكرناه، أنه يستحقه كاملاً إن كان ذلك الشيء دون الثلث، وقد اختار المصنف رحمه الله ما ذكرناه من أنه يقتطع ثلث الموصَى به، وقد بيّنا أن الصحيح أنه يقتطعه كاملاً إذا كان يعادل الثلث فأقل.
وقوله: [ولو كثر المال إن لم تجز الورثة].
(ولو) إشارة إلى الخلاف، وإذا أجازت الورثة فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ما زاد عن الثلث إذا أجازه الورثة فإنه نافذ، وقد تقدمت معنا هذه المسألة في حكم من وصى بما هو أكثر من الثلث، بأن وصيته تصح وتمضي إذا أجاز الورثة؛ لأن الحق لهم، وهل يكون ذلك تنفيذاً للوصية أو يكون عطية مستأنفة؟ بينا هذه المسألة وبينا أقوال العلماء رحمهم الله فيها.