قال رحمه الله تعالى:[فصل: الثاني: رضاهما] قوله: (الثاني) أي: الشرط الثاني من شروط النكاح رضا الزوجين، فلا يعقد عقد النكاح بدون الرضا، والرضا يفسد به الاختيار وينعدم، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده ولطفه وتيسيره، وشريعتنا شريعة رحمة:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:١٠٧].
عقود المعاوضات مثل البيع، فإنك في البيع تدفع عشرة ريالات في مقابل كتاب، وفي الزواج تدفع عوضاً عن المرأة ثلاثين ألف ريال مهراً لها، فالمهر في مقابل المرأة.
إذاًَ: عقد النكاح عقد معاوضة، وإذا كان عقد معاوضة ففيه معاوضة من وجوه عديدة، ولذلك قال الله عز وجل في بيت الزوجية للنساء وللرجال:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ}[البقرة:٢٢٨] فلا يمكن أن تلزم المرأة بنكاح ولا يمكن أن تلزم الرجل بنكاح وليس هناك الرضا، خاصة وأن العشرة الزوجية وصفها الله بأنها مودة ورحمة، فقال سبحانه:{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:٢١] فلا يمكن أن تتحقق المودة ولا يمكن أن تكون الرحمة إذا لم يكن هناك إلف وود بين الزوجين، ولهذا لن يكون بالإكراه ولن يكون بالغصب، فالمرأة إذا زُوجت ينبغي أن تكون راضية عن الزواج، والزوج إذا زُوج ينبغي أن يكون راضياً عن الزواج؛ لأنه إذا تزوج بشيء يحبه ويألفه ويرضاه حصل مقصود الشرع من الألفة والمحبة، وكانت المرأة سكناً لزوجها، وكان الزوج أيضاً سكناً لها، وعصمة من الله سبحانه وتعالى يعصمها بها من السوء والردى.
إذا ثبت هذا فلو أن رجلاً هدده رجل وانطبقت عليه شروط الإكراه، وهذا سنبحثه إن شاء الله في الطلاق، فسنذكر في كتاب الطلاق ما هي شروط الإكراه؟ ومتى نحكم بكون الإنسان مكرهاً؟ فلو أكره رجل وهدد وقيل له: لابد أن تتزوج بنت فلان وجاء تحت التهديد والإكراه فقيل له: زوجناك فلانة قال: قبلت، قيل: على عشرة آلاف قال: قبلت، لكنه مكره، ففي هذه الحالة لا يصح العقد ولا النكاح، ولو أن ولي المرأة هُدد وأُكره على النكاح وهو غير راضٍ بالنكاح ولا يريده ولا يرغبه ثم جيء به فقيل له: أترضى فلاناً يكون زوجها؟ فقال وهو غير راضٍ: زوجته أو زوجت بنتي فلانة على فلان، أو قبلت زواج فلان من موليتي فلانة، فكل ذلك لا ينبني عليه الحكم بصحة عقد النكاح لفوات الشرط المعتبر وهو الرضا.