حكم زيادة أقوال أو أفعال في الصلاة عمداً أو سهواً
قال رحمه الله تعالى: [فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت، وسهواً يسجد له].
قوله: (فمتى) الفاء للتفريع؛ لأنه إذا أثبت لك الأصل والقاعدة فإنه بعد ذلك يفصل، فبعد أن بيّن أن سجود السهو يشرع للزيادة وللنقص وللشك شرع الآن في التفصيل.
وابتدأ بذكر الزيادة قبل النقص؛ لأن الإنسان إنما يراعى فيه حال أدائه للصلاة على الكمال، والزيادة زيادة على الكمال، فيبتدأ بأحكام الزيادة أولاً ثم بأحكام النقص.
وقوله: (فعلاً) لأن الزيادة تكون أقوالاً وتكون أفعالاً، فالأقوال كأن يكبر مرتين، أو يُسَمِّع مرتين، فيقول: (سمع الله لمن حمده، سمع الله لمن حمده)، أو يزيد فعلاً مرتين، كأن يركع مرتين، فيركع ويرفع، ثم يسهو ويظن أنه قائم فيركع ثانية ويرفع، فيتذكر أنه قد ركع مرتين، أو يسجد ثلاث سجدات في الركعة الواحدة أو أربع سجدات، وقس على هذا، فهذا من الزيادة في الأقوال والزيادة في الأفعال، وهذه الزيادة إذا وقعت في الصلاة لا تخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يزيد شيئاً مشروعاً أصله في الصلاة، كأن يقرأ الفاتحة مرتين، أو يكبر مرتين، أو يسمع مرتين، وهذا في الأقوال، أو يركع ركوعين أو ثلاث سجدات، وهذا في الأفعال، فكونه يزيد فيقرأ الفاتحة مرتين فإن الفاتحة التي زادها من جنس ما شرع في الصلاة، فإن قراءة الفاتحة مشروعة في الصلاة، وكونه يزيد الركوع فإنه بزيادته للركوع مرتين في الصلاة قد زاد فعلاً أصله مشروع في الصلاة.
الحالة الثانية: زيادة شيء من خارج الصلاة قولاً أو فعلاً، فالقول كقوله: أف، أو يتأوه فيقول: آه، أو يتنحنح، فهذا كله ليس من جنس الصلاة.
وأما زيادة الفعل الخارج عن الصلاة فكأن يتناول كتاباً، أو يرفع شيئاً، أو يضع شيئاً، أو يدخل يده في جيبه، أو يعبث بساعته، فهذه زيادة أفعال ليست من جنس الصلاة.
فإذا ثبت أن الزيادة لها حالتان فإن من عادة العلماء أن يبتدئوا بالشيء الذي هو من جنس الصلاة، فابتدأ رحمه الله بقوله: [فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت].
فقوله: (فعلاً) نكرة يشمل أي فعل.
وقوله: (من جنس الصلاة قياماً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت) هذا تفصيل لقوله: (لا في عمد)، أي: إذا علمت رحمك الله أن سجود السهو محله أن يكون في سهو ونسيان فاعلم أنه لو زاد فعلاً من ركوع أو سجود أو قيام عمداً فإن صلاته تبطل، فيكاد يكون بإجماع أهل العلم رحمة الله عليهم أن من زاد متعمداً عالماً فصلاته باطلة.
قوله: [وسهواً يسجد له] أي: إن زاد في صلاته الركوع والسجود والقيام سهواً سجد لمكان هذه الزيادة.
وقلنا: إن هذا السجود قد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة بكمالها، فإذا كان السجود يلغي الركعة بكمالها فلأن يلغي جزء الركعة من باب أولى وأحرى؛ لأن الشرع ينبه بالأعلى على الأدنى، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن لنا أن من زاد ركعة كاملة في صلاته وسجد للسهو، -أي: سهو الزيادة- أن هذا السجود يرفع هذه الزيادة، فلأن يرفع السجود زيادة الركن الذي هو جزء الركعة من باب أولى وأحرى.