للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مشروعية صلاة الجماعة ثانية]

السؤال

هل الجماعة الثانية لمن فاتته الصلاة مشروعة؟ وهل فضلها مثل فضل الجماعة الأولى أثابكم الله؟

الجواب

يجوز للمسلم أن يحدث جماعة ثانية بعد انتهاء الجماعة الأولى على أصح قولي العلماء رحمهم الله، والذين منعوا إحداث الجماعة الثانية احتجوا بحديث ابن مسعود في صلاته عليه الصلاة والسلام حينما تأخر عن الصلاة، فصلى الصحابة رضوان الله عليهم، وكان قد تأخر بقباء عليه الصلاة والسلام، فلما أتى المسجد لم يعرج عليهم، ومضى إلى بيته، قالوا: فهذا يدل على أن الجماعة الثانية لا تجوز.

والواقع أنه ينبغي لطالب العلم أن ينظر بين الدليل وبين الدعوى، فهم يقولون: لا تجوز الجماعة الثانية ويمنعون من إحداثها، وعدم الجواز والتحريم لا يؤخذ من الفعل، لأن دلالة الفعل محتملة، ولذلك تجد الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى المسجد ووجدهم قد صلوا ولم يصل في المسجد جماعة يحتمل وجوهاً: منها: أنه عليه الصلاة والسلام لم يرد الجماعة في المسجد ثانية.

ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام -وهو الأقوى- لم يرد كسر خواطر الصحابة رضوان الله عليهم؛ لأنك لو نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء وأحدث الجماعة الثانية فيكون هذا حرجاً كبيراً لمن أمهم وصلى بهم، وهذا واضح جلي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، وهذا يجعل الصحابة مرة ثانية يتأخرون أكثر، ويؤخرون الجماعة أكثر؛ لحضوره عليه الصلاة والسلام ورغبة في الصلاة وراءه بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه.

فالشاهد أننا لا نجد في الفعل ما يدل على التحريم، بل غاية ما نقول: إن السنة أن يمضي إلى منزله، لكن في النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس في غيره، ومن هنا لا يقوى هذا الحديث على صرف النصوص الواردة في الصلاة في المسجد عموماً.

وثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه بدليل الأولى، حينما قال: (من يتصدق على هذا؟ فقام أبو بكر فصلى معه) أولاً: كون الصحابي يقوم ويصلي في المسجد من أصدق الدلائل على أنه لا يذهب إلى بيته، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى البيت والصحابي صلى في المسجد، فلو كان الذهاب إلى البيت واجباً، لقال له: يا هذا! اقطع صلاتك واذهب إلى بيتك وصل فيه، ولا يجوز أن تصلي في المسجد، ولا يجوز أن يسكت عن تنبيهه عما هو منهي عنه ومحرم شرعاً، وأنتم تقولون: لا يحدث جماعة ثانية.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يتصدق) أسألك بربك! لو وجد شخص لم يصل أيقول عليه الصلاة والسلام: من يتصدق؟ ثالثاً: لو لم يكن الصحابة قد عهدوا وألفوا أن يصلي المتأخر وإن وجد غيره صلى معه هل يأتي ويقوم الرجل ويصلي؟ ولذلك قال: (من يتصدق على هذا؟) كأنه وجده بدون جماعة؛ لأنه ألف أن يكونوا في جماعة، ولكنه تعذر وجود من لم يصل، فقال: (من يتصدق) فالذي صلى يعيد الصلاة مرة ثانية.

رابعاً: يندب إلى إعادة الصلاة مع أنه ينهى عن إعادة الصلاة مرتين.

فكله تحسين للأجر، أليس هذا أصل في تحبيب الشرع وترغيبه أن يكون المصلي الثاني مع جماعة؟ إذا قلت: نعم، نقول: نبه بالأدنى على الأعلى، فإذا صحت الجماعة الثانية بإعادة الصلاة الأولى فلأن تصح بدون إعادة من باب أولى وأحرى، فهذا هو الذي نختاره؛ وهو أن الصحيح جواز إحداث الجماعة الثانية بعد انتهاء الجماعة الأولى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>