[سقوط النفقة على الزوجة إذا أدت نذر حج أو صامت كفارة ونحوها مع سعة الوقت]
قال رحمه الله: [أو أحرمت بنذر حج أو صوم، أو صامت عن كفارة أو قضاء رمضان مع سعة وقته] أي: يشترط في هذه الأشياء أن يكون الوقت واسعاً، فقضاء رمضان ممكن أن تؤخره إلى شعبان، فلو صامت القضاء قبل وقته المضيق كانت في حكم المتنفلة؛ لأنها تنفلت بالتعجيل، وقالت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح: (كان يكون علي الصوم من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومن هنا أخذ العلماء رحمهم الله دليلاً على أن قضاء رمضان موسّع، خاصة وأن الله عز وجل يقول: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٥]، فأوجب على من أفطر لعذر عدة من أيام أخر، ولم يلزم بأيام معينة، فنقول: إذا كان عليك صوم رمضان -كما تقدم معنا في كتاب الصوم- فلك أن تصوم ولك أن تؤخر، ما لم يدخل شعبان فيبقى من شعبان على قدر أيام صومك الواجبة ما عدا يوم الشك.
فإن كان الذي عليك عشرة أيام تعين عليك الصوم من يوم التاسع عشر، وأصبح متعيناً عليك أن تقضي من التاسع عشر؛ لاحتمال أن يكون الشهر ناقصاً.
قوله: [أو أحرمت بنذر حج أو صوم] نذر الحج إذا كان مضيقاً لم يسقط حقها على التفصيل الذي ذكرناه في الحج والعمرة إذا كانا واجبين، فبعض العلماء يقول: العبادة الواجبة إذا أحرمت بها لا تسقط حقها في النفقة، كما لو أحرمت بصلاة وزوجها يريدها لجماع والصلاة فريضة، فإنها في هذه الحالة مشغولة بحق لله عز وجل، فلا يسقط حقها.
ومن أهل العلم من قال: خروجها للحج والعمرة إنما هو متعلق بنفسها ولا دخل للزوج في ذلك، فحينئذ يسقط حقها في النفقة، وبينا أن من قال بعدم سقوط الحق قال: إنها كالحائض والنفساء، فالحيض لا يسقط الحق، مع أنه لا يجامعها، والنفساء أيضاً لا يسقط حقها مع أنه لا يستطيع أن يستمتع بها.
وعلى كل حال بين رحمه الله أن النذر إذا كان مضيقاً كأن تقول: لله علي أن أصوم غداً، فحينئذ لا إشكال.
أما إذا كان موسعاً بأن قالت: لله علي أن أصوم ثلاثة أيام من شعبان، وهي في أول شعبان، في هذه الحالة يمكنها أن تؤخر إلى آخر شعبان، فتصوم هذه الثلاثة أيام.
قوله: [أو صامت عن كفارة أو قضاء رمضان مع سعة وقته] ذكر صيام الكفارة لأن وقته موسع، وهذا فيه خلاف، فبعض العلماء يقول: إذا كان الصيام عن كفارة يمين أو كفارة نذر، أو كان عن فدية فالأمر فيه موسع.
ومن أهل العلم من قال: إنه يجب عليها على الفور؛ لأن الأمر يقتضي الفورية، فإذا أخلت وجب عليها أن تكفر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (فليكفر عن يمينه وليأتِ الذي هو خير).
قوله: [أو سافرت لحاجتها ولو بإذنه] بأن احتاجت إلى أن تسافر لأبيها أو لأمها أو لعلاج مرض أو لأمر طارئ يخصها، فإذا سافرت ولم تستأذن وخرجت بدون إذنه فهي ناشز، وحينئذ يسقط حقها وجهاً واحداً عند جماهير السلف والخلف؛ خلافاً لمن شذ كما بينا، وإن خرجت للسفر بإذنه فللعلماء وجهان: قال بعضهم: ما دام أنها قد استأذنت فحقها في النفقة ثابت، وقال بعضهم: إن حقها في النفقة يسقط بمجرد الخروج؛ لمكان الفوات، حيث فوتت عليه حقه، وهذا من باب ربط الأسباب بمسبباتها.
وقوله: [سقطت] الضمير عائد إلى النفقة، أي: سقطت النفقة، فلا يجب عليه أن ينفق عليها هذه الأيام التي سافرت، ولا يجب عليه أن ينفق عليها الأيام التي صامتها، أو الأيام التي ذهبت فيها لحجها وعمرتها النافلة.