أي: ويحرم الجلوس على القبر، وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام:(لأن يجلس الرجل على جمرة من نار فتحرق ثيابه وتخلص إلى جسده، أهون من أن يجلس على قبر) وقال: (لا تؤذه)، كما في حديث عامر بن حزم لما اتكأ على القبر، (فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الاتكاء وقال: لا تؤذه) أي: لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك.
ومن هنا نص العلماء رحمهم الله على حرمة الجلوس على القبور، وحرمة الاتكاء عليها، وحرمة النوم عليها، وهذه من الحرمة التي تتعلق بالقبر، وألحقوا بذلك الامتهان: كالبول وقضاء الحاجة بين القبور، ووطئها بالنعال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(انزع يا ذا السبتيتين فقد آذيت)، وأما حديث:(إنه ليسمع قرع نعالهم) فهو إخبار، وقد كانت القبور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليست محوطة ولا محسورة؛ ولذلك يسلكون الفجاج بعد دفنهم.
فقوله:(إنه ليسمع قرع نعالهم) فيه إشارة إلى السماع الخالي عن حكم القرع بالنعال على القبر، وفرقٌ بين الإشارة إلى حكم السماع وبين الحكم بجواز المشي بالنعال على القبور، فنهيه عليه الصلاة والسلام كما في السنن والمسند يدل على تحريم المشي على القبور بالنعال، إلا في أحوال مستثناه، ومن ذلك: أن يكون الحر شديداً يؤذي الإنسان، أو تكون الأرض فيها ضرر من شوك ونحو ذلك؛ يضطر الإنسان معه إلى لبس حذاءٍ ونحو ذلك، فلا حرج في هذه الحالة أن يلبس حذاءه، وأما ما عدا ذلك فإنه لا يشرع أن يمتهن القبر ولا أن يطأه بنعاله، وهذه من حرمة القبور وحرمة أهلها، فلا يشرع أن يسير بينها بالنعال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(انزع يا ذا السبتيتين فقد آذيت) فنص على وجوب نزع السبتية.
وقال بعض العلماء بتخصيص الحكم بالنعال السبتية التي لا شعر فيها، فيختص الحكم بهذا النوع من النعال.
والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه بوصفها، لا أن الحكم مختص بالسبتية، لقوله:(فقد آذيتَ)، فدل على أن العبرة بالمرور بالنعال بين القبور، لا أن الحكم متعلقٌ بنعلٍ مخصوص دون غيرهِ.
وعلى هذا فإنه يحرم المشي بالنعال على القبور، ووطؤها بالنعال أشد، وإنما ينصح بحمل نعاله معه أو خلعه قبل دخول المقبرة.
وأما الطرقات التي بين القبور: فإن كانت خالية من المقابر فيجوز أن يمشي بنعله فيها؛ لأن الحكم يختص بالقبور، وأما بالنسبة للتحريم فيختص في حالة ما إذا دخل بالجنازة بين القبور، أو أراد أن يقبرها بين قبرين، فإنه يشرع أن يخلع حذاءه قبل أن يدخل في هذا الموضع أو يمر عليه.