[مسألة: إن قال لمن ظنها زوجته أنت طالق أو العكس]
قال رحمه الله: [وإن قال لمن ظنها زوجته: أنت طالق، طلقت الزوجة، وكذا عكسها].
أي: كامرأة في عبائتها ظنها زوجته فقال لها: أنت طالقٌ.
فالحقيقة أن مسائل الطلاق فيها باطن وظاهر، والظاهر هو اللفظ: أنت طالق، والباطن: النية والقصد؛ فإذا قال لامرأةٍ يظنها زوجته: أنت طالق، فللعلماء فيه وجهان: منهم من قال: لا تقع الطلقة على زوجته؛ لأنها لو وقعت الطلقة على زوجته كان مطلقاً بنيته لا بلفظه؛ فهو لما تلفظ خاطب معيناً؛ فلو كانت زوجته لطلقت، ولكن لما تبين أنها ليست بزوجته فإنه طلق وهي ليست بزوجة له فلا طلاق؛ لأن الطلاق لا يقع بالنية وحدها، وجماهير السلف والخلف وأئمة العلم على أن من نوى في قرارة قلبه أن يطلق زوجته ولم يتلفظ؛ أنها لا تطلق عليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله عفا لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل).
فقالوا: لو خاطب امرأة أجنبية بالطلاق، فظاهره ليس بظاهر المطلق لكن باطنه باطن المطلق، فقالوا: لا نطلق عليه لأن هذا من الطلاق بالنية دون اللفظ.
ومن أهل العلم من قال: تطلق عليه زوجته؛ لأنه لما قال: (أنتِ) قصد الزوجة، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله عفا لأمتي عما حدثت به أنفسها)، فإنه قد قيد وقال: (ما لم تتكلم أو تعمل)، وهذا تكلم وقصد زوجته والذي اختلف إنما هو الشكل، والشكل ليس بمؤثر؛ لأن العبرة بالمعنى والمعنى موجود، فتطلق عليه زوجته كما اختاره المصنف ونص عليه رحمه الله.
وقوله: (والعكس) أي: إذا قال لزوجته يظنها أجنبية: أنت طالقٌ طلقت عليه زوجته.
وهنا تعارض، فالمصنف يقول: لو قال لزوجته: أنت طالق، وهو يظنها أجنبية؛ كأن جاءت امرأة وقرعت عليه الباب وظنها أجنبية ضيفة أو نحوها فقال لها: أنت طالق، وتبين أنها زوجته؛ فقالوا: إنه واجهها فقال أنتِ طالق.
أي: بيني وبين الله أن هذه المرأة وهذه الذات مطلقةٌ مني، فلما صادف الطلاق محلاً طلقت، ولو كانت أجنبية لما طلقت إلا في مسألة إذا نوى.
وقالوا: لأن الطلاق لم يصادف محلاً في الأجنبية، لكن هذه زوجته وقد صادف الطلاق المحل، فتطلق عليه.
- المسألة الأولى: إذا ظنها زوجته وظهرت أجنبية: إذا قال لامرأةٍ من زوجاته يظنها أجنبية: أنت طالق، قالوا: فإنه في هذه الحالة قصد الطلاق ونواه في قرارة قلبه فتطلق عليه، وكونه يقول: (أنت) يخاطب محلاً أو يوجه لمحل كالذي يطلق وهي غائبة، فهو كمن يقول: زوجتي طالق، والطلاق لا يتوقف على أن تكون الزوجة أمامه، قالوا: فإذا قال لها: أنت طالق، وقصد في قرارة قلبه إخراج امرأته من عصمته فيؤاخذ بهذا القصد وتمضي عليه الطلقة.
المسألة الثانية: إذا ظنها أجنبية وظهرت زوجته فقال لها: أنت طالق، فصحيح أنه يعتقد أنها أجنبية، لكن اللفظ الذي خرج منه في الظاهر لفظٌ شرعي للطلاق، والمرأة التي وقع عليها الطلاق زوجته، فهو يقول: (أنت) فحينئذٍ يؤخذ بالظاهر، ففي الأول نظر إلى الباطن مع وجود المؤاخذة باللفظ، وفي الثاني اعتبر بالظاهر.
ومن هنا قد يحصل إشكال ونوع من التعارض، فينبغي أن نقول إذا غلبنا الظاهر وظهرت أنها امرأته، ينبغي أن لا تطلق إذا خاطب الأجنبية، وإذا جئنا ننظر إلى الباطن، فينغبي أن لا تطلق في حال استئذان الزوج وهو يظنها أجنبية، فحينئذٍ قالوا: نعمل الأمرين، نُعمل الظاهر في حال قوته ونعمل الباطن في حال قوته، وكلاهما له وجه، والإشكال كله في مواجهتها بالخطاب (أنت)، فإنه لما قال لها: (أنت) في المسألة الثانية فقد واجه محلاً قابلاً للطلاق فوقع الطلاق عليه، وفي الأجنبية قال لها: (أنت) فكلمة (أنت) معلقة بالزوجة، وفي قرارة قلبه أنها زوجته؛ ولذلك قالوا: إنه ينفذ عليه الطلاق؛ لقوة قصده، ووجود المعنى من إرادة الطلاق ونيته.