هذا هو الذي يعرف بالزنديق، يسلم ثم يقول كلمة الكفر، فيرتد ثم يرجع مرة ثانية، ويسلم ثم يرتد، فهذه فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله، والصحيح أنها تقبل توبته.
لكن لو أن القاضي أو ولي الأمر اطلع على أنه يتلاعب وقتله فله وجه، وقد يكون ذلك أنكى فيه وأقطع لدابر أهل الفساد؛ لأنه ربما يردع غيره.
وهذا ما يعتبر بفقه الخلاف، فنأخذ بالقول المرجوح في أحوال خاصة إذا وجد استشراء الناس وتساهلهم بحدود الله عز وجل فأراد الإمام أن يزجرهم، فله أن يأخذ بالقول الأوثق والذي فيه النصيحة، وله أن يجتهد في ذلك طلباً للمصالح ودرءاً للمفاسد، وليس هناك مفسدة أعظم من الاستخفاف بالدين والشرع، فالزنديق هو الذي يكفر ويقول كلمة الكفر ثم يرجع ثم يكفر ثم يرجع، والذين يقولون: لا تقبل توبة الزنديق يقولون: قد شهد على نفسه بالكذب، وشهد على نفسه أنه يتلاعب بتوبته.
ومن هنا أثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قصته مع بعض المرتدين أنه قبل توبتهم، ثم رأى رجلاً وقال: إنك كنت قد فعلت هذا عام أول ثم أمر بقتله، أي أنه تكررت ردته وتوبته مرتين، فلم يقبل منه ذلك وقتله واستحل دمه.
وأياً ما كان فالنصوص الصريحة في أن من تاب تاب الله عليه، وأن علينا أن نأخذ بظواهر الناس، وأن نكل سرائرهم إلى الله، واستباحة دم من أظهر الإسلام أمر صعب جداً، ولذلك ينبغي الاحتياط في هذا والبقاء على الأصل، إلا أن لولي الأمر أن يجتهد في مسائل خاصة.
قوله:[بل يقتل بكل حال] أي: لا تقبل منه التوبة ويقتل بكل حال، فتنفعه التوبة فيما بينه وبين الله، فلو قُتل يُقتل على الظاهر؛ لأنه ثبت كذبه، ثم لو أنه كان في المرة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة صادقاً وقتل؛ فإن العلماء متفقون أن ذلك ينفعه بينه وبين الله، ولكن الإشكال أنه إذا كانت توبته على الظاهر هل لنا أن نقبل هذا الظاهر أو لا؟ لأنه قد ثبت بالظاهر أنه تلاعب، وأنه كذب، وقصة وحشي تدل على قبول التوبة.