[إعادة الصلاة لمن صلى ثم حضر جماعة يصلون]
قال رحمه الله تعالى: [ومن صلى ثم أقيم فرض سن أن يعيدها إلا المغرب] قوله: [ومن صلى] أي: الفريضة.
[ثم أقيم فرض] أي: لنفس الفريضة التي صلاها، كأن تصلي العصر في مسجد، ثم تذهب إلى مسجد آخر تطلب أخاً أو تريد حاجة، فدخلت في هذا المسجد فأقيمت الصلاة، فإنه يجب عليك أن تدخل مع هذه الجماعة الثانية، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء: فمنهم من قال: من صلى صلاة ثم دخل المسجد وأقيمت نفس الصلاة فلا يصليها ولا يعيد.
واحتجوا بحديث ميمونة: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تعاد الصلاة مرتين).
والقول الثاني: يعيد جميع الصلوات بدون استثناء وهو مذهب بعض أهل الحديث وأهل الظاهر، وذلك لظاهر حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل الصلاة لوقتها، ثم صلها معهم، ولا تقل: إني صليت)، وحديث الخيف بمنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا؛ فإنها لكما نافلة).
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإعادة الجماعة، وهذا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أن الصلاة تعاد في المسجد مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إلا المغرب، أو العصر، أو الفجر، وإنما قال: (فصليا؛ فإنها لكما نافلة).
ومنهم من قال: يعيد جميع الصلوات إلا صلاة الفجر والعصر.
ومنهم من قال: يعيد جميع الصلوات إلا المغرب، كما اختاره المصنف.
ومنهم من قال: يعيد جميع الصلوات إلا صلاة الفجر والعصر والمغرب.
والسبب في استثناء المغرب -كما درج عليه المصنف- أن المغرب وتر، وإذا صلاها فإنه يكون موتراً وترين في ليلة، وفي حديث الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا وتران في ليلة).
والذي يترجح في نظري -والعلم عند الله- أنه يشرع له أن يعيد جميع الصلوات بدون استثناء، وذلك لما يلي: أولاً: لصحة حديث أبي ذر في الصحيحين أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (صل الصلاة لوقتها، ثم صلها معهم، ولا تقل: إني صليت)، ولم يقل: إلا المغرب.
بل أطلق، والقاعدة في الأصول: (المطلق يبقى على إطلاقه حتى يرد ما يقيده)، ولا مقيد له هنا.
وكذلك حديث الخيف، حيث قال للرجلين: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا)، ولم يقل: إلا المغرب، أو الفجر، أو العصر.
وهذان النصان مطلقان.
أما استثناء المغرب لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة) فيجاب عنه بأن الوتر يبتدئ وقته من بعد صلاة العشاء، وإذا صلى المغرب فإنه لم يدخل بعد وقت العشاء، فيكون هذا الوتر غير معتدٍ به ولا مؤثر.
ثانياً: أن نقول: إنه بعد سلام الإمام يقوم ويشفع صلاته بركعة، جمعاً بينه وبين حديث: (لا وتران في ليلة)، وعلى هذا فلا تعارض بين هذه النصوص، وكل من صلى ثم دخل المسجد فإنه يعيد صلاته مع الجماعة الثانية.
وهذا -كما يقول العلماء- فيه نكتة لطيفة، وهي أن الإسلام حرص على الجماعة ونهى عن الشذوذ؛ لأن الشذوذ عن الجماعة شر وبلاء، ولذلك من خرج عن جماعة المسلمين العامة مات ميتة جاهلية والعياذ بالله، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج عن الجماعة، حتى قال: (من مات وليس في عنقه بيعة فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً)، فالخروج عن جماعة المسلمين هلاك، فأدب الله عز وجل عباده المؤمنين في أهم أركان الدين وهي الصلاة أن يكونوا على وتيرة واحدة ولا يشذون، ولأنه لو فتح باب التخلف عن الجماعات لفتح لأهل الأهواء والبدع أن يتخلفوا عن أهل السنة، ولذلك جمع الله شمل المسلمين بهذه الصورة، فإذا دخل الإنسان إلى المسجد فإنه يلتزم بجماعة المسجد، حتى نص جماهير العلماء على أنه لو دخل قبل تسليم الإمام ولو بلحظة وأمكنه أن يكبر يجب عليه أن يكبر، ولا ينتظر، ولا يحدث جماعة ثانية، وذلك للنص الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فإذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا) أي: ما أدركتموه مع الإمام فصلوا، قالوا: فهذا مطلق يشمل جميع ما يدرك، وإذا أراد أن يحدث جماعة ثانية يقول لمن معه: ندخل في التشهد، فإذا سلم الإمام فائتم بي.
فإن كل هذا تعظيم لأمر الجماعة، ولذلك قالوا: من دخل وقد صلى فإنه يصلي ويدخل مع الجماعة ويعيد، وتعتبر هذه الإعادة لازمة وواجبة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها دون استثناء لفرض.