الشعر إذا كان فيه طاعة وذكر لله عز وجل فهو حكمة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(إن من الشعر لحكمة) فالشعر الذي يكون مشتملاً على الأمر بالخير والنهي عن الشر فإنه لا بأس به، ولا حرج في ذلك؛ لأن الخطبة مدارها على الحكمة، والدين كله مداره على الحكمة، فإذا اشتملت الأبيات من الشعر على موعظة، وكان لها أثر في النفوس، وكانت عظيمة الوقع في القلوب فلا بأس، وقد ذكر بعض العلماء والأئمة أن الخطيب قد يحتاج إلى ذلك من باب التنويع، فإنه ربما وعظ الناس بأسلوب فملوه، فيأتيهم بأسلوب آخر حتى يذكرهم بالله عز وجل بالطريقة التي تؤثر في نفوسهم.
ولكن الخير كل الخير: أن يحرص الخطيب على التذكير بكتاب الله وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن كل خطيب موفق، قد نظر إلى عظيم الثواب وجزيل ما أعد الله في المآب لمن تلا آيات الكتاب وتدبر سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لن يرضى لنفسه بالدون والأقل.
فانظر: لو أنك نثرت أشعار الدنيا المليئة بالحكمة فإنها لن تبلغ شيئاً مما يؤثره كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في القلوب، وكم من آية في كتاب الله هزت القلوب، ولربما سمع المؤمن الصالح آية من كتاب الله فاستقرت في قلبه اليوم واليومين والأسبوع، والشهر والشهرين والعام، ولربما استقرت في قلبه إلى لقاء الله عز وجل، فالموفق السعيد الذي يحرص على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم والوعظ بهذا النور العظيم.
فإذا كان هناك حاجة لذكر أبيات من الشعر في موعظة فيها أثر فلا بأس بذلك، ولذلك حكى الصحابة الشعر وقالوه، حتى في المواعظ المؤثرة، مثل قضية أبي الدحداح رضي الله عنه وأرضاه، وغيره من القصص التي وقع فيها، وكذلك أبيات حسان رضي الله عنه التي كان لها وقع وأثر في النفوس، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد دخول مكة قال:(لا تدخلوها إلا من ثنية كداء)، والسبب في ذلك: أن حسان بن ثابت رضي الله عنه يقول: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء فأراد أن يحقق ما قاله حسان، فدخل مكة من الثنية العليا، وهذا أحد الأوجه عند العلماء، والثنية الأولى هي من جهة قبور المعلاة، الفج الذي يشق القبور شقين، هذه الثنية ثنية كداء دخل منها عليه الصلاة والسلام، فمن العلماء من يقول: دخلها من أجل بيت حسان رضي الله عنه وأرضاه.
ومنهم من يقول: دخلها عليه الصلاة والسلام؛ لأنها من جهة باب الكعبة، ولذلك جاء من جهة الباب.
وقيل: دخلها لأن سور مكة كان في هذه الجهة، والمدن عندما يدخلها الإنسان يدخلها من أبوابها.
فالشاهد: أنه قال بيت شعر فصدقه عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على مكانة الشعر.
فلا مانع أن الخطيب يستشهد ببيت من الشعر ويعظ به ويذكر، وفي أشعار السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين أبيات مؤثرة، فلا بأس بذلك ولكن بشرط: ألا يغلو الإنسان فيه ولا يتوسع فيه أكثر مما يستحق، والله تعالى أعلم.