[المخدرات وضررها على الفرد والمجتمع]
قبل أن نختم هذا الباب هناك جوانب نحب أن ننبه عليها، وهي عن البلاء العظيم شرب المسكرات وتعاطي المخدرات.
فهذا الذنب والإثم شره كبير، وما انتشر في أمة إلا فتك فيها فتك النار في الهشيم، فلا تبقى لها حرمة، ولا تقوم لها قائمة، فإذا فسدت عقول الناس فسدت أخلاقهم، وفسد دينهم، وفتح عليهم من أبواب الفتن وشرورها ما لا يعلمه إلا الله عز وجل.
ولذلك يخرج الرجل من بيته فيفاجأ بالرجل قد غاب عن عقله، فلا يأمن أن يشهر عليه سلاحه فيرديه قتيلاً في مكانه، ولربما قاد السكران والمخدور سيارة فقتل الأنفس البريئة، وأتلف الأموال، وأحدث من الأضرار ما لا يعلمه إلا الله عز وجل.
وإذا غاب الرجل عن عقله وهو في بيته وأهله لا يأمن أن يصيب حتى أمه والعياذ بالله، ووردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الخمر أم الخبائث؛ لأنها تدعو إلى كل شر، وإلى كل بلاء.
أنعم الله على عبده بنعمة العقل الذي هو نور يستنير به فيعلم الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والخير من الشر، والرحمة من العذاب، ويميز به الأشياء بعضها عن بعض، ويرتقي به عن مستوى البهيمية إلى مستوى التكريم في الآدمية، ويستنير به فيعقله عما لا يليق بمثله، ولذلك سماه الله: حجراً وسماه: عقلاً؛ لأنه يحجر الإنسان فيمنعه ويعقله ويحبسه عما لا يليق.
فهذا الداء والبلاء إذا فتح على أمة أهلكها الله عز وجل به، ولذلك يحرص أعداء الإسلام على خديعة أبناء المسلمين، والتغرير بشباب المسلمين من البسطاء ليتعاطوا هذا الداء حتى يفتكوا بالأمة ويدمروا أخلاقها، نسأل الله بعزته وجلاله أن يهدم عروشهم، وأن يزلزل أقدامهم، وأن يكف عن المسلمين بأسهم وشرهم، وهو على كل شيء قدير.
من يعلم أو يسمع أو يرى كم من بيوت هدمت؟ وكم من نساء طلقت وشتتت؟ وكم من سعادة عادت شقاءً بسبب هذا الوباء! ومن يعلم القصص والحكايات المروعة التي أدخلت على أمة مسلمة وكانت محافظة، كانت في خير من الله عز وجل ورحمة حتى خدع شبابها، وعبث بهم الداء الفتاك الذي تسلط على الصغير والكبير؟ من علم الحوادث التي تقع والمصائب والكوارث والمآسي في الأسر التي حصلت بسبب تعاطي المخدرات خاصة، وشرب الخمور عامة؛ لاشك أنه يتفطر قلبه، ويحزن أيما حزن.
ولذلك خليق بالأئمة والخطباء والوعاظ والموجهين أن ينبهوا الناس بشرها بين فترة وأخرى، فإن العدو لا ينام، والعدو لا يستريح نسأل الله بعزته وجلاله أن يسلبه عافيته، فهو يعمل ليل نهار، ثم مع ذلك يأخذ من هؤلاء البرءاء البسطاء أموالهم، يؤخذ الرجل إلى جحيم المخدرات بكأس لا يعلم أن فيها مخدر، ويخدع في ظلمة ليل أو ضياء نهار، فيعطى ذلك الكأس بريئاً جاهلاً حتى إذا شربه دب السم في جسده، ونخر في قواه، فأتلف زهرة شبابه، ودمر حياته لكي يشقيه ويرديه، والله موعد: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:٢٢٧] ولن تضيع عند الله هذه الجرائم والفضائع التي ظلم بها المسلمون، ودمرت بها بيوتهم وأسرهم.
فإذا شرب هذا المسكين كأسه طلب مرة ثانية، فأعطي الجرعة الثانية حتى يصبح مدمناً كالآلة المسخرة في يد الإنسان، ولا يستطيع إذا جاءته ساعته أن يرقأ ولا أن يهنأ ولا أن يرتاح حتى يعطى هذا المخدر، فإذا نظر إليه في أمس الحاجة وشدة الحاجة طلب منه أن يفعل أي جريمة أو يقع في أي حرام، فلم يتورع عن ذلك، ولم ينكف عنه! فيا لله كم من أعراض انتهكت! وكم من أموال سرقت واغتصبت! وكم من أسرار أفشيت وكشفت! بسبب هذا الداء الخبيث!! ولذلك كل من لم يفكر في هذا الداء الذي يستشري في أبناء المسلمين فلا يأمن أن يأتيه يوم من الأيام قهراً وغصباً في أبنائه وذريته؛ لأنه إذا لم يحفظه عن الغريب فلا يأمن أن يتسلط على القريب والحبيب، ولذلك خليق بكل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجند نفسه من أجل تنبيه المسلمين وتذكيرهم.